نسبة بين العلم وبين المعلوم. فإذا تغير المعلوم فقد تغيرت نسبة ذلك العلم إلى المعلوم ، ولم يتغير ذات العلم. ألا ترى أن الرجل إذا كان جالسا في مكان نفسه فجاء إنسان وجلس على أحد جانبيه ، كان هذا الجالس يمينا له ، فإذا قام ذلك الإنسان ، وانتقل من ذلك الجانب إلى الجانب الآخر صار الإنسان الأول يسارا له ، بعد أن كان يمينا له ، فههنا وقع التغير والتبدل في هذه الإضافة ، مع أن صريح الحس والعقل يدل على أنه لم يقع فيه التغير البتة (١) ، بل هو باقي كما كان.
فهذا جملة الوجوه التي يتمسك بها من يقول العلم الأول باقي كما كان.
وأما القائلون بأنه يجب أن يتغير العلم عند تغير المعلوم. فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه :
الحجة الأولى : إنا إذا فرضنا أن إنسانا اعتقد أن زيدا سيدخل البلد غدا ، ثم قدرنا أن ذلك الإنسان جلس في بيت مظلم لا يميز فيه بين الليل والنهار ، وبقى على ذلك الاعتقاد إلى أن دخل النهار ، ودخل زيد البلد ، إلا أن ذلك الجالس لم يعلم أنه جاء النهار. فإن ذلك الإنسان بمجرد اعتقاده في أن زيدا يدخل البلد غدا ، لا يصير عالما بأنه دخل الآن في البلد ، ولو كان العلم بأن الشيء سيوجد (٢) نفس العلم بوجوده إذا وجد. لوجب أن يحصل هذا العلم في هذه الصورة ، وحيث لم يحصل ، علمنا أن العلم بأن الشيء سيوجد ليس نفس العلم بوجوده إذا وجد. نعم إذا حصل عنده علم (٣) بأن زيدا سيدخل البلد غدا ، ثم حصل عنده علم ثان بأنه (٤) جاء الغد فإنه يتولد من ذينك العلمين علم ثالث ، بأنه دخل زيد البلد في هذه الساعة. فهذا علم جديد تولد عن العلمين الأولين ، لا أنه ينقض العلم الأول.
__________________
(١) المثال لا ينطبق على المعنى.
(٢) ليس نفسه (م).
(٣) علم (ت).
(٤) ثان (ت).