الآخر ، يجري مجرى أن يقال : إن أحد الضدين نفس الآخر ، وذلك محال لا يقبله العقل.
الحجة الرابعة : إن العلم صورة مطابقة للمعلوم ، تم من المعلوم بالضرورة : أن ماهية قولنا : سيحدث مخالفة لماهية قولنا : إنه الآن حادث وحاصل ، ولما كانت الماهيتان مختلفين كانت الصورتان المطابقتان لهما ، وجب أن يكونا مختلفين ، لأن المطابق للمختلف يجب أن يكون مختلفا ، وإذا كانت إحدى الصورتين مخالفة للأخرى ، امتنع القول بأن إحداهما عين الأخرى. فهذه وجوه جلية قريبة من أن تكون بديهية في بيان أنه يمتنع أن يكون العلم بأن الشيء سيوجد ، نفس العلم بوجوده ، إذا وجد.
جئنا (١) إلى الجواب عن الوجوه التي تمسكوا بها في تقرير قولهم.
فأما الجواب عن الوجه الأول : وهو أنه لما لم يتكثر العلم بتكثر المعلومات (وجب أن لا يتغير بتغيرها ، فهو من وجهين الأول : إنا لا نسلم أن العلم لا يتكثر بتكثر المعلومات) (٢) والدليل عليه : أن العلم إما أن يكون صورة (٣) مطابقة للمعلوم ، وإما أن تكون نسبة مخصوصة بين العالم وبين المعلوم. فإن كان الأول وجب تكثر المعلوم عند تكثر المعلومات ، لأن الأشياء المطابقة للماهيات المختلفة ، يجب كونها مختلفة. وإن كان الثاني فكذلك أيضا.
لما بينا أن النسبة إلى الشيء مغايرة للنسبة إلى غيره. بدليل : أنه يصح تعقل إحدى النسبتين حال الذهول عن الأخرى. والثاني : هب أنا سلمنا أن العلم لا يجب أن يتكثر عند تكثر المعلومات. فلم قلتم : إنه يلزم أن لا يتغير عند تغير المعلومات؟ فإن ذلك قياس من غير جامع. والدليل القاهر الذي ذكرناه يدل على أنه يجب أن يتغير عند تغير المعلومات.
وأما (الجواب عن) (٤) الشبهة الثانية : وهي قولهم : إن العلم صفة
__________________
(١) جرا (م) جئنا (س).
(٢) من (م).
(٣) صورة سقط (م).
(٤) زيادة.