ولقائل أن يقول : فهذا الكلام يمنع من كونه مؤثرا في الغير ، لأن التأثير في الغير نسبة مخصوصة بينه وبين الغير (وذلك مما لا يتم إلا بالغير ، فلو كان مؤثرا في الغير) (١) لزم افتقاره إلى الغير ، ويمكن ذكر الفرق بينهما من بعض الوجوه. والله أعلم (٢).
وهاهنا آخر الكلام في حكاية قول من أنكر العلم بالجزئيات.
أما القائلون بكونه تعالى عالما بالجزئيات ، فقد احتجوا عليه بوجوه :
الحجة الأولى : قالوا : قد دللنا على أنه تعالى فعل أفعالا محكمة متقنة. وبينا أن من كان فعله محكما متقنا يجب أن يكون عالما بفعله ، فوجب أن يكون تعالى عالما بأفعال نفسه ومن المعلوم أن الإحكام والإتقان إنما يظهر في الأشخاص الجزئية التي خرجت إلى الوجود ، فيثبت أن الذي دلنا على كونه تعالى عالما ، هو بعينه يدلنا على كونه عالما بالجزئيات.
الحجة الثانية : أن نقول : الشيء الشخصي الجزئي له ماهية ، وله أيضا تشخص وتعين. وذلك التشخص والتعين ، إما أن يكون عين تلك الماهية ، وإما أن يكون زائدا عليها ، فإن كان عينها فالعلم بالعلم (٣) بالماهية يكون علما بعينها. فذلك التشخص ، من حيث إنه ذلك المعين يكون (٤) معلوما ، وإن كان تشخص ذلك الشخص مغايرا لتلك الماهية ، فذلك التشخص أيضا ماهية من الماهيات الممكنة (٥).
والفلاسفة سلموا أن العلم بالعلم بالعلة (٦) يوجب العلم بالمعلول ،
__________________
(١) من (م).
(٢) والله أعلم (م).
(٣) بالعلم (م).
(٤) يكون (س).
(٥) الممكنة (س).
(٦) بالعلم (س).