هذا ـ هو القدرة فما الفرق بين القدرة وبين الإرادة؟ أما قوله : إنها تؤثر في الترجيح لا في التكوين فنقول : هذا الكلام إنما يتم ببيان الفرق بين الترجيح وبين التكوين ، فإنا لا نعقل من الترجيح إلا وقوع أحد جانبي الممكن : بسببه ، وهذا هو التكوين. وإثبات مفهوم آخر يسمى بالترجيح والتخصيص مغاير للمفهوم الحاصل من التكوين أمر غير معقول.
وأما قوله : المخير بين (أكل الرغيفين) (١) وشرب القدحين ، يختار أحدهما من غير جلب منفعة ، أو دفع مضرة يختص بها ذلك الواحد. فنقول : الكلام عليه من وجهين :
الأول : لا نسلم أنهما يتساويان في جلب (٢) المنافع ، والمصالح المتعلقة بالأبدان (٣) ، بل لا بد وأن يتخيل أن أحدهما أقرب إليه ، وأحدهما أسهل عليه ، وهو أنفع في نفسه ، وربما كان عظيم الحرص على الأكل والشرب ، فلما وقع بصره على أحدهما عظمت رغبته فيه. فصارت قوة رغبته فيه مانعة له عن تحويل النظر عنه إلى غيره ، فبقيت رغبته مقصورة عليه وغير متعدية منه إلى غيره. وبالجملة : فحصول المرجح الذهني غير ، وبقاء ذلك المرجح غير. وتذكر ذلك المرجح بعد نسيانه غير. ولا يلزم من فقدان هذا الثالث فقدان الثاني والأول.
والوجه الثاني في الجواب : هب أنه يأخذ أحدهما دون الآخر لا لمرجح. إلا أن الذي لأجله صدر عنه هذا الفعل شدة رغبته في أصل الأكل والشرب ، وتلك الرغبة عبارة عن طلب المنفعة ودفع المضرة ، فلو لا طلب النفع لما أقدم على أخذ أحد الرغيفين ، وشرب أحد القدحين ، ولو لا الفرار عن دفع ضرر السبع ، لما اختار سلوك أحد الطريقين ، فيثبت أن الحامل له على هذا الفعل ، ليس إلا طلب المنفعة ودفع المضرة. وحينئذ يعود ما ذكرناه.
__________________
(١) من (س).
(٢) جميع (م).
(٣) المتخيلة (م).