الحجة الثامنة : إن العلم ماهية مخصوصة ، والقدرة أيضا ماهية مخصوصة ، فإما أن تكون إحدى الماهيتين عين الأخرى أو غيرها؟ فإن كان الأول كان لفظ العلم ولفظ القدرة لفظان مترادفان ، يفيد كل واحد منهما ما يفيده الآخر. ومعلوم أن ذلك باطل ، لأن حد العلم غير حد القدرة ، وأحكام العلم غير أحكام القدرة ، وخواص كل واحد منهما مغايرة لخواص الآخر. وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون المعقول من كونه عالما ، مغايرا للمعقول من كونه قادرا ، وأن يكون المعقول من كل واحد منهما ، مغايرا للمعقول من كونه موجودا. وذلك يفيد المطلوب.
ولنعبر عن هذا الكلام بعبارة أخرى. فنقول : المعقول من كونه عالما ، ومن كونه قادرا ، ومن كونه ذاتا موجودة ، إما أن يكون معقولا واحدا ، أو لا يكون كذلك. والأول باطل بالبديهة ، لأنا ببديهة العقل (١) نعلم أن هذه الألفاظ ليست مترادفة بل هي ألفاظ متباينة ، يفيد كل واحد منهما غير (٢) ما يفيد الآخر. فهذه المعاني الثلاثة إما أن تكون ذرات ثلاثة قائمة بأنفسها. وذلك باطل بالاتفاق ، وبصريح العقل ، أو يكون بعضها موصوفا ، والبواقي صفات. وهو المطلوب.
واحتج نفاة الصفات بوجوه :
الحجة الأولى للفلاسفة : قالوا : هذه الصفات إما أن تكون واجبة الوجود لذواتها ، أو جائزة الوجود لذواتها ، والقسمان باطلان ، فالقول بثبوتها : باطل.
أما بيان أنه يمتنع كونها واجبة الوجود لذواتها فلوجهين : الأول : ما ثبت أن واجب الوجود لذاته (٣) يمتنع أن يكون أكثر من واحد. والثاني : أن الصفات غير (قائمة بأنفسها بل هي) (٤) قائمة بالذات ، والقائم بغيره مفتقر
__________________
(١) العقل (س).
(٢) غير (م).
(٣) لذاته (س).
(٤) من (س).