إلى الغير ، فيكون ممكنا لذاته ، لا واجبا لذاته.
وأما بيان أنه يمتنع كونها ممكنة لذواتها ، فهو أن كل ممكن لذاته ، لا بد له من سبب. وذلك السبب ليس إلا تلك الذات ، وذلك محال من وجهين : الأول : إنه إذا كان المؤثر هو تلك الذات والقابل أيضا تلك الذات فيلزم كون الشيء الواحد قابلا وفاعلا ، وهو محال. والثاني : هو أن الاحتياج لا يحصل إلا عند زمان الحدوث ، وإلا لزم تكوين الكائن ، وهو محال ، فلو كانت هذه الصفات معللة بالغير ، لكانت حادثة ، لكن كونها حادثة محال، فيمتنع كونها معللة بالذات.
الحجة الثانية للفلاسفة : قالوا : إله العالم إما أن يكون فردا أو مركبا ، ويمتنع كونه مركبا ، لأن كل مركب فهو مفتقر إلى كل واحد من أجزائه ، وجزء الشيء غيره ، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره ، وكل مفتقر إلى الغير ممكن لذاته ، فلو كان إله العالم مركبا لكان ممكنا لذاته ، وكل ممكن لذاته ، فلا بد له من سبب يوجده. فيثبت أن إله العالم لو كان مركبا لكان ممكنا ، ولو كان ممكنا افتقر إلى الفاعل ، وذلك محال في حق إله كل الممكنات ينتج أن إله كل الممكنات لا يكون مركبا ، وكل ما لا يكون مركبا ، كان فردا مطلقا. والمجموع الحاصل من الصفة والموصوف يكون مركبا ، فيثبت أن إله العالم فرد مطلق ، وليس فيه تركيب من الصفة والموصوف. وهو المطلوب.
وأما دلائل المعتزلة : ـ فلهم وجوه عامة في كل الصفات ، ووجوه خاصة في كل واحد من الصفات ـ أما الوجوه العامة :
فالحجة الأولى : قالوا : عالمية الله تعالى واجبة ، والواجب لا يعلل. أما أن عالمية الله تعالى واجبة ، فلأنها لو كانت جائزة لافتقر ذلك العالم إلى فاعل يجعله عالما ، وحينئذ يصير إله العالم (١) عبدا ، وهو محال. وأما أن الواجب لا يعلل. فلأن الافتقار إلى العلة ، لأجل أن يترجح بسببها جانب الوجود على جانب
__________________
(١) الإله (م).