إلى ذلك الضعيف. وانتفت سائر الوجوه ، علمنا أن الداعي له إلى ذلك الإحسان مجرد ما تقرر في عقله من أن الإحسان حسن ، وذلك يدل على أن شهادات العقول متطابقة على حسن الإحسان ، وقبح الإساءة.
الوجه الثالث : في تقرير هذا المعنى : أنه إذا قيل لإنسان : إن صدقت أعطيناك دينارا ، وإن كذبت أعطيناك دينارا ، وعلم بالضرورة أن المنافع الحاصلة من هذا الصدق ومن هذا الكذب متساوية في الدنيا والآخرة ، وأنه ليس لأحدهما زيادة أثر في المطالب والمنافع ، فإن الإنسان في هذه الحالة لا بد وأن يختار الصدق ، وأن يحترز عن الكذب ، ولو لا أن العلم بكون الصدق حسنا من حيث أنه صدق ، وأن العلم بكون الكذب قبيحا من حيث إنه كذب علم ضروري لازم للعقول والأفهام ، لم يكن الأمر كذلك ، فيثبت بهذه الوجوه الثلاثة : أن العلم بحسن هذه الأشياء ، وبقبحهما : علم ضروري.
المقام الثاني : أن نقول : لما ثبت هذا المعنى ، وجب أن يبقى هذا الحسن والقبح في حق الله تعالى (والذي يدل عليه) (١) وجهان :
الأول : إن الصدق إنما حسن لكونه صدقا ، وأن الكذب إنما قبح لكونه كذبا ، وأن الظلم إنما قبح لكونه ظلما. والدليل عليه : أن من عرف كون الصدق صدقا (عرف كونه حسنا ، وإن جهل سائر الاعتبارات ، وإن لم يعرف كونه صدقا) (٢) لم يعرف كونه حسنا ، وإن عرف سائر الاعتبارات. وكذا القول في قبح الكذب ، وقبح الظلم. ولما كان العلم بالحسن والقبح دائرا مع العلم بهذه الوجوه والاعتبارات ، وجب أن يكون المقتضى للحسن والقبح هو هذه الوجوه والاعتبارات. وإذا ثبت هذا فنقول : وجب أن يكون الصدق حسنا من الله ، وإن يكون قبيحا منه لما ثبت أنه أينما حصل المؤثر والموجب. وجب أن يحصل الأثر.
الثاني : إن صريح العقل كما يحكم بقبح الظلم والكذب من الواحد منا ،
__________________
(١) من (س).
(٢) من (م).