الحجة الخامسة : إن بطء الحركة إما أن يكون عبارة عن تحلل السكنات بناء على إثبات القول بالجوهر الفرد ؛ أو عبارة عن كيفية قائمة بالحركة (١) بناء على نفي الجوهر الفرد. فإن كان الحق هو الأول. فالقوس الذي يأتي بالحركة يكون آتيا بتلك السكنات في أثناء تلك الحركات مع كونه غافلا عنها. فقد حصل الفعل لا للدواعي. وإن كان الحق هو الثاني ، كان الآتي بالحركة البطيئة آتيا بفعلين : أحدهما : نفس الحركة. والثاني : البطء القائم بتلك الحركة ، مع كونه غافلا عن كونه آتيا بنوعين مختلفين من الفعل. فيكون آتيا بالفعل حال كونه غافلا عنه. وذلك يقتضي حصول الفعل من غير الداعي.
الحجة السادسة : إن توقف الفعل على الداعي يوجب أن لا يبقى فرق بين الموجب بالذات وبين الفاعل المختار. وهذا باطل. فذا باطل. بيان الأول : إنا سنبين أن عند حصول الداعية (يجب الفعل وجوبا ضروريا ، لا يمكن نقضه ، وعند عدم الداعية) (٢) يمتنع وقوع الفعل ، ومعلوم أنه لا حال غير هاتين الحالتين ، فإذا كان الفعل في إحدى الحالتين واجبا ، وفي الحالة الثانية ممتنعا. فحينئذ يلزم أن لا يحصل التمكن والاختيار في شيء من الأحوال البتة. فيثبت أن توقف الفعل على حصول الداعي ، يقتضي أن لا يبقى فرق البتة بين الموجب بالذات وبين الفاعل المختار.
وبيان أن هذا باطل : (إنه (٣) من جملة العلوم الضرورية (٤) : الفرق بين كون الإنسان متحركا بقدرته واختياره وبين كون الحجر نارا ، لا بطبعه ، وكون النار محرقة بطبعها ، فيثبت: أن القول بتوقف الفعل على الداعي : يفضي إلى الباطل المذكور ، فوجب أن يكون باطلا.
وأما القائلون بأن الفعل يتوقف على الداعي. فقد أجابوا عن هذه الدلائل بأجوبة واضحة قوية. وقالوا :
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (م).
(٣) زيادة.
(٤) البديهية (س).