العالم إما أن يقال : إنه أحدثه لا لداعية أصلا ، أو أحداثه لداعية ، والأول عيب ، وهو نقص ، وهو على الله محال ، فثبت أنه فعله لداعية ، وتلك الداعية : إما داعية إيصال النفع إلى نفسه ، أو داعية إيصال النفع إلى غيره (والأول باطل ، لما ثبت أن الحاجة إليه محال ، فيثبت أنه إنما خلق العالم لداعية [إيصال النفع إلى غيره] (١) ولا معنى لداعية) (٢) الإحسان إلا هذا ، فيثبت بهذا الدليل القاطع : حصول هذا القسم من الدواعي.
هذا منتهى الكلام في هذا الباب.
قالت الحكماء : هذا الكلام منقوض (٣) من وجوه :
الأول : إنا قد دللنا على أن صدور الفعل عن القادر بدون الداعي محال ، وإذا ثبت هذا لزم القطع بأن العبد لا يصدر عنه الفعل إلا مع الداعي ، وتلك الداعية إن كانت من فعل العبد لزم التسلسل. وإن انتهت إلى داعية يخلقها الله تعالى في العبد. فقد بينا : أن عند حصول تلك الداعية يجب الفعل وعند عدم حصولها يمتنع الفعل. فيلزم القطع بأن أفعال العبد معلولات أفعال الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك فخالق العلة ، يكون خالقا للمعلول ، ومريدا له. ومتى كان الأمر كذلك (امتنع أن يقال : إن الشرور غير واقعة بمشيئة الله وبقضائه. وإذا كان الأمر كذلك) (٤) فحينئذ يبطل قول من يقول : إن صدور الفعل عن الله موقوف على حصول داعية الإحسان.
والحجة الثانية : إن كل من فعل فعلا لغرض ، وجب أن يكون بحيث لو لم يوجد ذلك الفعل ، لاختل ذلك الكمال. وإذا وجد ذلك الفعل فقد حصل ذلك الكمال ، وكل من كان كذلك كان ناقصا بذاته ، مستكملا بغيره. وذلك في حق الله ـ تعالى ـ محال. فإن قالوا : إنه تعالى إنما فعل ذلك الفعل ليعود نفع
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (ت).
(٣) يمكن أن تقرأ منقوض في (س).
(٤) من (م).