وأصحاب [الوحي (١)] والمكاشفات أخبروا عن وجودها ، وجب الاعتراف بها.
ثم هاهنا مباحث :
المبحث الأول : إن الحكماء بينوا : أن لكل فلك عقلا ونفسا. وبينوا أيضا : أن كل فلك فإنه ينقسم أيضا بحسب الجهات الست إلى أقسام ستة. فللفلك يمين وشمال ، وقدام وخلف ، وفوق وتحت. فلا يبعد أن يحصل له بحسب كل قسم من هذه الأقسام الستة : روح يدبره. والفلاسفة أثبتوا لمجموع كل فلك عقلا ونفسا [وبينوا أيضا : أن كل فلك ، فإنه ينقسم أيضا بحسب الجهات الست ، إلى أقسام ستة (٢)] فيكون المجموع : ثمانية. وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٣) ثم لا يبعد أيضا : أن يتولد عن كل واحد من تلك الأرواح القوية القاهرة : شعب ونتائج. الله أعلم بعددها. وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (٤) الآية (٥).
المبحث الثاني : إن من الناس من قال : كما بينا : أن الموجودات على ثلاثة أقسام : المؤثر الذي لا يتأثر ، وهو أشرف الأقسام. ومتأثر لا يؤثر ، وهو أحط الأقسام. والموجود الذي يكون مؤثرا باعتبار ، ومتأثرا باعتبار آخر ، وهو
__________________
(١) من (طا) ، (ل).
(٢) سقط (ط) ، (ل).
(٣) الحاقة ١٧ واعلم : أن المؤلف قد ابتعد عنه الصواب في هذه المسألة. فإن أي فلك لا عقل له ولا نفس له. بل هو جماد يتحرك بالقوة التي أودعها الله فيه. ولو أنه قال : إن لكل فلك ملائكة موكلون به ، كما توكل بالبحار ملك ، وبالجبال ملك. لكان الحق معه وقوله إن حملة العرش. هم عقل الفلك ونفسه وجهاته الستة قول باطل. لأنه لم يذكر نصا قرآنيا على إثبات عقل ونفس للفلك. وليس في القرآن من نص على ذلك. فكيف يصح له أن يطوع القرآن للفلسفة بدون دليل من حقيقة أو من مجاز؟ والتفسير الصحيح : أن حملة العرش ثمانية من الملائكة.
(٤) الزمر ٧٥ واعلم أن الملائكة الحافين هم خلق الله ، وليسوا متولدين عن الأفلاك. بل هم الموكلون بالأفلاك.
(٥) «وقضي بينهم بالحق. وقيل : الحمد لله رب العالمين».