ليس إلا الجسم. ولما كان قبول الأثر من الجسم مشروطا بكون القابل قريبا منه ، فما يمتنع وصفه بالقرب والبعد ، وجب أن لا يكون للجسم فيه أثر. لكن النفس جوهر مجرد ، فيمتنع كونه معلولا للجسم.
والسادس : إن الاستقراء يدل على أن المجانسة والمشاكلة [بين العلة وبين المعلول معتبرة ، والمشاركات المجانسة مفقودة (١)] بين الجسم وبين النفوس المجردة ، فامتنع كون الجسم علة.
واعلم : أن أكثر هذه الوجوه يدل على أن النفس يمتنع كونها معلولة (٢) للأعراض الجسمانية. وإذا بطل هذان القسمان ، ثبت : أن النفس الناطقة معلولة لجوهر مجرد عن الجسمية. ثم نقول : إن هذا الموجود المجرد قسمان : النفس ـ وهو الذي يفعل بواسطة آلة جسمانية والعقل ـ وهو الذي لا يتوقف تأثيره في الغير على اختيار آلة جسمانية ـ والأول باطل. لأنا بينا : أن كون الآلة الجسمانية معتبرة ، إنما يعقل في حق الجسم ، الذي يحصل لتلك الآلة الجسمانية. قرب منه تارة ، وبعد منه أخرى. ولما لم تكن النفس الناطقة جسما ، علمنا : أنه لا يمكن [أن يقال (٣)] : إن موجدها ، أوجدها بواسطة آلة جسمانية. فثبت : أن موجدها (٤) ليس من جنس النفوس ، بل من جنس العقول. وإذا ثبت هذا فنقول : إن ذلك العقل هو العقل الأخير المدبر لما تحت كرة القمر ، وهو العقل الفعال [والدليل عليه : أنه لا يمكن أن تكون هذه النفوس معلولات واجب الوجود. لما ثبت أنه فرد منزه من جميع جهات الكثرة ، فيمتنع أن يصدر عنه معلولات واجب الوجود. لما ثبت أنه فرد منزه عن جهات الكثرة ، فيمتنع أن يصدر عنه معلولات كثيرة ، ولا يمكن أيضا أن يكون من معلولات شيء من العقول المدبرة للأفلاك التسعة (٥) وإلا فقد صدر
__________________
(١) سقط (م).
(٢) محلا (ل).
(٣) سقط (ل).
(٤) موجد النفس (م).
(٥) السبعة (م).