والقول الثاني : قول «ديمقراطيس» وذلك لأن مذهبه أن هذه الهباءات والذرات كانت متحركة ، حركة دائمة في الخلاء الذي لا نهاية له. ثم اتفق في بعضها أن تصادمت على وجه خاص ، وتعارضت في حركاتها وتمانعت. فتولد جرم الفلك لهذا السبب. ثم اتفق لبعض تلك الأجزاء أن كانت قوة حركاتها إلى بعض الجوانب ، أقوى من قوة الأجزاء التي تمانعها وتعارضها ، فلا جرم تحرك جسم الفلك إلى ذلك الجانب ، فاستدار على ذلك الوجه الخاص. ثم إن المغلوب لا يعود غالبا ، والمقهور لا يصير قاهرا. فلا جرم بقي الفلك على الحركة الخاصة إلى آخر الأبد.
فهذه الوجوه الأربعة مفرعة على قول من يقول : حركات الأفلاك طبيعية.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : إن حركاتها إرادية. فالقائلون بهذا القول فريقان :
منهم من قال : إنه ليس للأفلاك غرض معين في اختيار هذه الحركات. ومنهم من أثبت لها غرضا معينا.
أما الفريق الأول : فتقرير قولهم : إن الأجرام الفلكية بسائط وجميع النقط المفترضة فيها متشابهة في تمام الحقيقة ، ومتساوية في تمام الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن يكون وقوع تلك الحركات على جميع المدارات المختلفة التي لا نهاية لها : ممكنا. إذ لو أمكن البعض ، وامتنع البعض ، لزم أن تكون الأشياء المتماثلة في تمام الماهية ، مختلفة في اللوازم والآثار. وذلك محال. فثبت : أن الكل (١) ممكن وأنه ليس للبعض رجحان على البعض لا في أصل الإمكان ولا في السهولة ، ولا في أثر من الآثار البتة. ومتى تشابهت الأفعال ، وتساوت على الوجه الذي ذكرناه لم يمتنع أن يختار الفاعل المختار أحد تلك الأقسام دون الأخرى لا لعلة. ومثاله : أن الجائع إذا خير بين أكل
__________________
(١) التمثل (ط).