فإن قيل : أليس أن مذهب الفلاسفة : أن الجسم البسيط ، إذا خلا عن التقطيع ، وعن اختلاف العرضين ، وعن الوهم ، فإنه يكون في نفسه واحدا على سبيل الحقيقة ، ولا يكون فيه تركيب أصلا ، ولا يلزم من كونه قابلا للقسمة حصول القسمة فيه ، كما أنه لا يلزم من كون الجسم قابلا للسواد ، أن يكون أسود؟
وإذا كان كذلك ، فهذا الجسم في نفسه شيء واحد ، وليس له من الأبعاض والأقسام [شيء (١)] وإذا كان كذلك ، فههنا يمتنع أن يقال : الحال في كل واحد من أقسامه : إما كل ذلك العلم ، أو بعضه. لأن هذا الكلام إنما يصح ، لو حصل ذلك الجسم أبعاض وأقسام. أما لما كان في نفسه شيئا واحدا ، ولم يحصل له أبعاض وأقسام البتة [لم يصح (٢)] هذا الكلام.
السؤال الثاني : هب أن ذلك الجسم ، حصلت له أبعاض وأقسام. فلم لا يجوز أن يقال : كل واحد من أبعاضه خالي عن كل ذلك العلم وعن بعضه؟ قوله : «لو كان كذلك ، لامتنع أن يكون كل ذلك الجسم موصوفا بذلك العلم» قلنا : ما الدليل على أنه لما خلا كل واحد من أجزاء ذلك الموصوف عن كل تلك الصفة وعن بعضها ، وجب خلو ذلك الموصوف عن كل تلك الصفة؟ وذلك لأن الكل من حيث هو كل ، مغاير لكل واحد من أجزائه خلا عن كل تلك الصفة وعن بعضها ، فلا يلزم من هذا ، وجوب خلو [كل (٣)] تلك الذات عن كل تلك الصفة؟
والجواب عن السؤال الأول : إن الجسم البسيط ، وإن كان واحدا في نفسه ، إلا أن حصول الانقسام فيه أمر ممكن. وكل ما كان ممكنا ، فإنه لا يلزم من فرض وقوعه : محال. فإذا فرض ذلك الانقسام واقعا ، امتنع أن يلزم منه
__________________
(١) من (م)
(٢) لم يحصل (طا ، ل)
(٣) من (ط)