لو انقسم هذا العلم ، لكان إما ينقسم إلى جزءين متشابهين أو مختلفين. والقسمان باطلان ، فبطل القول بكونه منقسما. وإنما قلنا : إنه يستحيل أن ينقسم إلى جزءين متشابهين لوجهين:
__________________
ـ تبكي إذا ذكرت عهودا بالحمى |
|
بمدامع تهمى ، ولما تقلع |
وتظل ساجعة على الدمن التي |
|
درست بتكرار الرياح الأربع |
إذا عاقها الشرك الكثيف وصدها |
|
قفص عن الأوج الفسيح المربع |
حتى إذا قرب المسير إلى الحمى |
|
ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع |
وغدت مفارقة لكل مخلف |
|
عنها ، حليف الترب ، غير مشيع |
سجعت ، وقد كشف الغطاء فأبصرت |
|
، ما ليس يدرك بالعيون الهجع |
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق |
|
والعلم يرفع كل من لم يرفع |
فلأي شيء أهبطت مع شامخ |
|
عال إلى قعر الحضيض الأوضع؟ |
إن كان أهبطها الإله لحكمة |
|
طويت عن الفطن اللبيب الأروع |
فهبوطها ـ إن كان ضربة لازب |
|
لتكون سامعة بما لم تسمع |
وتعود عالمة بكل حقيقة |
|
في العالمين ـ فخرقها لم يرقع |
وهي التي قطع الزمان طريقها |
|
حتى لقد غربت بغير المطلع |
فكأنها برق تألق بالحمى |
|
ثم انطوى فكأنه لم يلمع |
وتنقسم هذه القصيدة ثلاثة أقسام :
(١) سجن النفس : هبطت النفس من عل ، وحلت في الجسد شقية سجينة. وهي إن ارتاحت إلى سكناه بعض الراحة ، فحنينها أبدا إلى عالمها ، وهناؤها إذ تعود إليه مغردة هانئة (بيت ١ ـ ١٤).
(٢) غاية اتحاد النفس بالجسد : لم حلت النفس في الجسد؟ ألتعرف كل شيء؟ إنها لم تعرف. (بيت ١٥ ـ ١٨).
(٣) إنكار تناسخ النفس : ولن تعود النفس بالتناسخ ، لكي تكمل معرفتها (بيت ١٩ ـ ٢٠) إننا نرى ، في القسم الأول ، صدى نظرية أفلاطون القائلة بوجود النفس قبل البدن ، وهبوطها من عالم المثل إلى عالم الحس. ولكن أفلاطون يهبط النفس إلى الجسد لجناية صدرت عنها ، ويقضي عليها بالتناسخ تكفيرا عن إثمها ، وهذا ما لا يتفق وباقي القصيدة. فهل يكون ابن سينا بتر نظرية أفلاطون؟
ثم إن ابن سينا لا يسلم ، في باقي كتبه بوجود النفس قبل البدن. فهل يمكن أن يسلم به هنا؟ وعليه نرى أن نجعل من «المحل الأرفع» العقل الفعال ، فيتلاءم ما في القصيدة مع باقي كتب ابن سينا.
[من كتاب «النفس البشرية عند ابن سينا» للدكتور ألبير نصر نادر].