وهاهنا بحث. فإن عدم تعلقها بالأجسام على سبيل التدبير والتصرف ، يحتمل أن يكون لكمالات ذواتها ، واستعلائها عن الالتفات إلى الأجسام ، ويحتمل أن يكون لضعفها في ذواتها وعدم اقتدارها على التصرف في شيء من الأجسام. فهذا بحسب القسمة محتمل. ومن الذي أحاط عقله بجميع ملك الله وملكوته؟ وإلى هذا القسم الإشارة في الكتاب الإلهي ، حيث قال : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ ، لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (١).
وأما القسم الثاني. فهو الجواهر التي تكون مجردة في ذواتها عن الجسمية. والحلول في الجسمية. إلا أنها متعلقة بالأجسام على سبيل التدبير والتصرف. وهذا القسم ينقسم إلى قسمين لأنها إما أن تكون مدبرة للأجسام الفلكية ، أو الأجسام العنصرية. ولما ثبت بالدليل [أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، ولم يثبت بالدليل (٢)] أن العالم واحد ، بل ثبت أنه لا يمتنع وجود عوالم غير هذا العالم. وبتقدير ثبوتها ، فيحصل هناك من زمر الأرواح المقدسة ، ما لا يعلمها [إلا الله تعالى ، ولا يعلمها (٣)] البشر البتة.
إلا أن البحث عن تلك الأحوال غير ممكن. فلهذا السبب اقتصرت العقول على البحث عن الأرواح المدبرة للأجسام الفلكية ، أو الأرواح المدبرة للأجسام العنصرية.
أما الأرواح المدبرة للأجسام الفلكية. فالأظهر أن الأفلاك تكون لها كالأبدان ، والكواكب لها كالقلوب ، والخطوط الشعاعية الفائضة من أجرام الكواكب [النيرة (٤)] جارية مجرى الأجسام اللطيفة النورانية ، الفائضة من
__________________
(١) النجم ٢٦ وفي تفسير «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي رحمهالله في تفسير هذه الآية : «هذا توبيخ من الله تعالى لمن عبد الملائكة والأصنام. وزعم : أن ذلك يقربه إلى الله تعالى. فأعلم أن الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتهم على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له. قال الأخفش : الملك واحد ، ومعناه جمع ، وهو كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) وقيل : إنما ذكر ملكا واحدا. لأن «كم» تدل على الجمع»
(٢) سقط (م).
(٣) سقط (ط ، ل).
(٤) من (ل).