في هذه الآيات ذكر لمصير الكافرين بالمقابلة لذكر المؤمنين في الآيات السابقة ، جريا على الأسلوب القرآني. فهي والحال هذه استمرار للسياق. وفيها قرينة على أن الطبقات الثلاث التي ذكرت في الآيات السابقة هي من المؤمنين.
وقد احتوت وصفا لما سوف يكون الكفار فيه من عذاب شديد دائم لا يموتون منه فيستريحون ولا يخفف منه شيء ؛ ولما سوف يشعرون به من الندم على ما فرطوا ، ويتمنون على الله ويستغيثون به ليخرجهم منها ، ويعيدهم ثانية إلى الدنيا ليصلحوا حالهم فيقال لهم : لقد منحتم الفرصة الكافية بطول العمر ودعوة الرسل وإنذارهم فأضعتموها فليس للظالمين أمثالكم من مهرب ولا نصير.
والآيات في بابها قوية نافذة كسابقاتها ، من شأنها أن تثير الخوف والفزع في النفوس وتحمل السامعين على الارعواء ، وهو مما استهدفته على ما هو المتبادر.
ولقد وقف المفسرون عند جملة (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) وأوردوا بعض الأقوال والأحاديث في مدى ذلك. منها أنها خطاب موجه لكل من بلغ العشرين من عمره أو الأربعين أو الستين. ومن ذلك حديث رواه أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «العمر الذي أعذر الله تعالى فيه إلى ابن آدم ستون سنة». وفي رواية «من عمّره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر». وفي رواية «لقد أعذر الله إلى صاحب الستين والسبعين». وعلّل الذين قالوا أربعين سنة بأن عقل الإنسان يصل إلى نهاية نضجه فيها. والأحاديث المعزوة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لم ترد في الصحاح. ويتبادر لنا بالنسبة لأسلوب الآية أنها تضمنت معنى التبكيت والتنديد لأن الكفار قد أضاعوا الفرصة التي سنحت لهم في الدنيا ليتذكروا ويرعووا. أما بالنسبة لمسألة العمر الذي يكون فيه الإعذار الرباني ملزما فهو بلوغ الإنسان سنّ الرشد الذي يستطيع فيه التمييز بين الحقّ والباطل والهدى والضلال ، وتبلغه معالم ذلك بواسطة رسول من الله أو كتاب رباني وسنة نبوية ، ثم لا يتبع الحق والهدى. والله تعالى أعلم.