والصلة ملموحة بين هذه الآيات وسابقاتها في حكاية موقف الكفار وأقوالهم وفي وحدة السبك والروي. ولم نطّلع على رواية تذكر مناسبة نزول هذه الآيات. ونرجح مع ذلك أن الآية الأولى تحكي موقفا تجادل فيه بعض الكفار مع بعض المسلمين ، فقال الكفار ما حكته الآية على سبيل التفاخر والتبجح وردت الثانية عليهم بردها القوي.
وواضح من هذا أن الكفار والمؤمنين في مكة كانوا يختلطون وكان يقع بينهم نتيجة لذلك مشادّات ومناظرات ومماحكات ومفاخرات متنوعة ؛ مما حكته آيات عديدة أخرى.
(قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)) [٧٥ الى ٧٦]
(١) فليمدد له الرحمن مدّا : فليتمتع في الحياة ما شاء الرحمن له أن يتمتع.
(٢) مردّا : عاقبة.
الآيات استمرار للسياق كما هو المتبادر. والمتبادر كذلك أن الآية الأولى احتوت ردّا آخر على تبجح الكفار المحكي عنهم في الآيات السابقة وتحديا حيث أمرت النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم على سبيل التحدي : ليمدد الله تعالى من كان منا ومنكم في الضلالة وليجعله يتمتع بما شاء له أن يتمتع ، وحينما يحل وقت تحقيق وعيد الله للضالين بالعذاب الدنيوي أو الأخروي سيرون من هو شرّ مكانا ومنزلة ومن هو أضعف جندا وناصرا. وقد تكرر هذا المعنى في آيات عديدة منها آيات سورة سبأ هذه (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)