السحرة السحر بزعم أنهم قادرون على تحقيق تلك المطالب يكون الأولون قد انصرفوا في مطالبهم عن الله عزوجل الذي هو وحده القادر على تحقيق تلك المطالب والذي لا يجوز لمؤمن أن يرجع في تحقيقها إلى غيره ويكون ذلك منهم في معنى الشرك بالله ودعاء غيره. ويكون الآخرون قد ارتكسوا في ما فيه الكذب والتدجيل والضرر الخلقي والحسي والتشجيع على ذلك للانصراف عن الله عزوجل ودعاء غيره.
وفي كتب التفسير وبخاصة ابن كثير استطراد مسهب في السحر وأنواعه وصوره وحقيقته وأثره وحكمه وأقوال المذاهب الإسلامية فيه. والمستفاد منها (١) :
أولا : إن حقيقة السحر وأثره من المسائل الخلافية في المذاهب الإسلامية حيث يذهب المعتزلة والشيعة إلى أنه لا حقيقة له ، وكونه تخييلا وتمويها وشعوذة ، وحيث يذهب أهل السنة إلى أن له حقيقة وأثرا ولكن أثره لا يكون إلا بإذن الله ، وكلا الفريقين يستند إلى النصوص القرآنية. وقد نبه ابن كثير على أن أبا حنيفة يذهب المذهب الأول ويقول إنه لا حقيقة للسحر.
وليس في القرآن نصّ صريح بحقيقته وأثره إلا جملة : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) وليس هناك أحاديث صحيحة في حقيقة السحر وأثره إلّا الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة في حادث سحر النبي صلىاللهعليهوسلم والذي أوردناه في سياق تفسير سورة الفلق. ولقد قرأنا لابن كثير تخريجا للنصّ القرآني المذكور آنفا يقول فيه إن الساحر يخيل لزوج من الزوجين سوء منظر الزوج الثاني وسوء خلقه فيؤدي ذلك إلى الفراق. ولا يخلو هذا من وجاهة فيما نرى ، ويتسق مع مذهب أبي حنيفة والمعتزلة والشيعة. ولقد علقنا على حديث حادث سحر النبي صلىاللهعليهوسلم بما فيه وضع الأمر في نصابه المتبادر لنا إن شاء الله بما يغني عن التكرار.
وثانيا : إن حكم السحر مختلف فيه حيث ذهب بعضهم إلى أن تعلم السحر لذاته غير محظور شرعا إذا كان لأجل اتقاء أذاه ولم يعمل به ، وحيث ذهب بعضهم
__________________
(١) انظر أيضا تفسيري الزمخشري والطبرسي ففيهما مشاركة لما في تفسير ابن كثير.