أنه كان قوم من العرب إذا قتل عبد قوم آخرين رجلا منهم لم يرضوا بقتل العبد حتى يقتلوا سيده. وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا منهم لم يرضوا بقتل القاتلة حتى يقتلوا رجلا من عشيرتها (١). والروايات ليست من الصحاح غير أن مضمون الآية الأولى يلهم احتمال نزول الآيتين في إحدى الحالات المروية عن العرب وبخاصة في الحالة الأخيرة لحل المشكل الدموي الواقع الذي رفع أمره إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
ومع ترجيحنا خصوصية المناسبة فالذي يتبادر من صيغة الآيتين أنهما نزلتا لتكونا تشريعا عاما للتطبيق في الظروف المماثلة. وهذا شأن معظم الآيات التشريعية والتعليمية.
والآيتان هما أولى الآيات التي تحمل طابع التشريع والتقنين في شأن من شؤون الحياة وهو طابع خاص بالعهد المدني ، وما ورد في الآيات المكية من أوامر ونواه في هذه الشؤون يحمل طابع الحثّ والعظة والزجر والإنذار والتنديد. وسبب ذلك واضح فالمسلمون في مكة كانوا قلة فلم يكن إمكان ولا مجال للتقنين والتشريع. وقد تغير هذا في العهد المدني حيث كثر المسلمون وصار النزاع والخلاف على شؤون الحياة مما يكثر بينهم. وقد صار النبي صلىاللهعليهوسلم إلى هذا في مركز الرئيس والقائد والقاضي معا فانفسح المجال واقتضى الحال التشريع تمشيا مع الظروف واستجابة للمناسبات وحلا للمشاكل والوقائع وجوابا على الاستفتاءات والاستعلامات والمراجعات.
وننبه بهذه المناسبة على أمر هام وهو أن معظم ما نزل به تشريع وتقنين من شؤون الحياة في العهد المدني قد نزل به بأمر ونهي وزجر وحثّ وإنذار وتبشير في القرآن المكي. ومن جملة ذلك حظر القتل بغير حق وتقرير حق ولي المقتول بالقصاص مما ورد في سور الإسراء والأنعام والفرقان. وفي هذا ردّ على الأغيار الذين يحلو لهم غمز النبي صلىاللهعليهوسلم والقرآن بغيا وتعصبا وحقدا فيقولون : إن هناك
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي إلخ.