تناقضا في الدعوة وأهدافها وسيرها بين العهدين. فالأسلوب المدني هو إيجاب تطبيقي للمبادىء والأحكام التي قررتها الآيات المكية مما ينطوي فيه كل الحكمة والحق والصواب ومقتضيات الحياة ثم الانسجام التام بين قرآني العهدين.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآيتين بعض الأحاديث والاجتهادات الفقهية نوجزها ونعلق عليها بما يلي :
١ ـ المؤولون والمفسرون متفقون على أن حكم الآية الأولى هو في صدد القتل العمد. وهذا متبادر من فحواها أما القتل الخطأ فقد ذكر حكمه في إحدى آيات سورة النساء وسيأتي شرح ذلك في مناسبة.
٢ ـ إن من المؤولين والمفسرين من قال إن حكم الآية قد نسخ بحكم النفس بالنفس مطلقا ، الذي ورد في آية سورة المائدة هذه : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... إلخ [٤٥] وهذه الآية حكاية لما كتبه الله على بني إسرائيل في التوراة وليست تشريعا للمسلمين على ما تلهم الآيات التي جاءت بعدها. ونظرية (شرع ما قبلنا شرع لنا) ليس مما يمكن التسليم به استنادا إلى الآيات المذكورة على ما سوف نشرحه في مناسبتها.
ويتبادر لنا أن جملة (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) الواردة في الآية الثانية قد تضمنت تعديلا لحكم الأولى فصار القصاص أي قتل القاتل العمد مطلقا هو الحكم المبدئي العام. وهناك أحاديث نبوية تؤيد هذا التعديل. منها حديث رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلّا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيّب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة» (١). وحديث رواه أبو داود عن قيس بن عباد في صدد كتاب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ألا لا يقتل مؤمن بكافر» (٢).
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ١٧.
(٢) ورد هذا الحديث في تفسير القاسمي عزوا إلى أبي داود وفي التاج ج ٣ ص ٣١ حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي فيه : «لا يقتل مسلم بكافر».