ولقد استند أبو حنيفة وآخرون إلى بعض هذه الأحاديث مع مبدأ القصاص فقرروا أن المسلم يقتل بالمسلم إطلاقا سواء أكان القاتل أو القتيل رجلا أو امرأة أو عبدا أو أمة ، وخالف بعضهم هذا الرأي وقالوا لا يقتل الرجل بالمرأة ولا الحرّ بالعبد استنادا إلى نص الآية الأولى.
ويتبادر لنا أن الآية الأولى إنما نزلت لحل مشكلة دموية قائمة بأوصاف معينة وأن الرأي الأول المستنبط من أحاديث نبوية ومن مبدأ القصاص مطلقا هو الأوجه. ولم نطلع على أثر نبوي يدعم الرأي الثاني وهناك أحاديث فيها صراحة أكثر تدعم الرأي الأول منها حديث رواه أصحاب السنن جاء فيه : «كتب النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى أهل اليمن في جملة ما كتب أن الرجل يقتل بالمرأة» (١). وحديث رواه أصحاب السنن أيضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه» (٢).
ومن رأي أبي حنيفة استنادا إلى مبدأ القصاص المطلق أن المسلم يقتل بالكافر الذمي أو المعاهد والأكثرون على أن المسلم لا يقتل بالكافر. وهذا مما يدعمه حديث سبق إيراده.
٣ ـ مما رواه المفسرون عن المؤولين أن جملة : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) هي في صدد من يقتل قاتلا بعد العفو عنه وأخذ الدية منه. وقد استند إليها بعضهم فأوجبوا قتل من قتل قاتلا بعد العفو وأخذ الدية. وهناك أحاديث نبوية تساق في تأييد ذلك منها حديث رواه الإمام أحمد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية» (٣). وحديث رواه أبو شريح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من أصيب بقتل يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتصّ وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية. فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ١٤.
(٢) المصدر نفسه ص ٣١.
(٣) أورد هذا الحديث ابن كثير ومعنى لا أعافي لا أعفي من القصاص رجلا قتل قاتلا بعد أخذ الدية عن القتل الذي قتله.