وفي الكتب الخمسة ثلاثة أحاديث فيها ما جاء في رواية الخازن مع زيادات موضحة مفيدة دون أن يذكر فيها أن الآية نزلت في المناسبة المذكورة في رواية الخازن.
أولها حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي جاء فيه : «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال الحضرميّ : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها وليس له فيها حقّ. فقال النبي للحضرميّ : ألك بيّنة؟ قال : لا. قال : فلك يمين؟ قال : يا رسول الله إنه فاجر لا يبالي بما حلف ليس يتورّع عن شيء. فقال : ليس لك منه إلّا ذلك. فانطلق الرجل ليحلف فقال رسول الله : لئن حلف على مالك ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» (١). وثانيهما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت : «أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما ليست لهما بيّنة إلّا دعواهما فقال النّبي صلىاللهعليهوسلم من قضيت له من حقّ أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار. فبكى الرجلان وقال كلّ منهما حقّي لك. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخّيا الحقّ ثم استهما ثم تحالا. وفي رواية : إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه» (٢). وثالثهما حديث عن أم سلمة يرويه الخمسة جاء فيه : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار» (٣).
ومهما يكن من أمر فإن الآية قد تلهم أنها نزلت بسبب حادث مشابه لما جاء في رواية الخازن أو الحديثين الأولين. وقد جاءت بصيغة عامة فيكون التوجيه أو التلقين الذي احتوته هدى للمسلمين في كل زمن وزاجرا لهم عن الارتكاس فيما نهت عنه إيمانا ويقينا وتقوى.
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٥٤.
(٢) المصدر نفسه ص ٥٣ و ٦١.
(٣) المصدر نفسه ص ٥٣ و ٦١.