والفرق بين القولين كما هو المستفاد من شروح المفسرين هو أن الزوج يستطيع أن يراجع زوجته قبل تطهرها من الحيضة الثالثة في حالة الأخذ بالقول الأول. أما في حال الأخذ بالقول الثاني فإن طروء حيضتها الثالثة قبل المراجعة يجعل مراجعتها ممتنعة بدون عقد ومهر جديدين لأن الفرصة تكون قد ذهبت والطلاق صار بائنا. ويروي الطبري أن عمر بن الخطاب طلق امرأته فلما تهيأت للاغتسال من حيضتها الثالثة هتف بأنه راجعها فصحّت مراجعته. حيث يكون قد أخذ بالقول الثاني. ويروي الطبري أن رجلا استفتى زيد بن ثابت فأفتاه بأن امرأته إذا دخلت في حيضتها الثالثة بانت منه حيث يكون قد أخذ بالقول الأول. وليس هناك حديث نبوي وثيق صريح في ذلك. ولذلك ظل المذهبان ممارسين.
٥ ـ لقد جعلت الآية الزوج أحقّ بردّ زوجته أثناء العدة. ولكن شاءت رحمة الله أن يكون حقّه مشروطا بقصد الإصلاح (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) بحيث يلهم النص القرآني حقّ الزوجة المطلقة بالاطمئنان لحسن نية مطلقها ورغبته في الإصلاح وحقها بالامتناع عن الموافقة على الرجوع إذا لم يحصل عندها ذلك الاطمئنان. ولقد نهت آية أخرى تأتي بعد قليل عن إمساك الزوج مطلقته في أثناء عدتها أي عن ردها إليه بقصد الضرر والعدوان. وعدت ذلك ظلما وهزؤا بآيات الله. وهذا مما يدعم الاستلهام السابق. ولقد ذكر القاسمي في تفسيره أن المراجعة تكون محرمة إذا لم تكن بنية الإصلاح استدلالا من النص القرآني. ولعل في جملة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ما يؤيد ذلك أيضا. فكما أن للرجل الحق والحرية في عدم المراجعة حتى يصل الأمر إلى البينونة بعد انقضاء العدة فإن للزوجة مثل هذا الحق إذا تيقنت أن زوجها لا يريد بمراجعتها وفاقا ولا إصلاحا.
وهذا الحق للزوجة لا ينتقض فيما نراه بجملة : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الواردة في الآية بعد الجملة السابقة. حيث يتبادر لنا من روح الجملة أنها في صدد تقرير عام في الحياة الزوجية وأن هذه الدرجة هي قوامة الزوج على زوجته وحقه في طاعتها له في هذه الحياة وأن المهر الذي دفعه أولا والنفقة التي يضطلع بها ثانيا