من مبررات هذه الدرجة على ما تلهم آية سورة النساء هذه : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)) ويعزى هذا القول إلى ابن عباس أيضا. ولعل كون الرجل هو الذي يملك حق الطلاق ويملك حق التزوج بأكثر من زوجة من مظاهر هذه الدرجة. ومما قاله رشيد رضا في سياق تفسيره للآية : «إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية ولا بدّ لكل اجتماع من رئيس لأن المجتمعين لا بد من أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إليه في الخلاف لئلا يعمل كل فرد ضد الأمر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل نظامهم ، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله فجعل الله له هذه الدرجة». وفي هذا السداد وفيه توضيح لمعنى جملة : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في آية النساء [٣٤].
ولقد كان النساء وما زلن ولسوف يظللن يشعرن في قرارة أنفسهن على الأقل في صلاحية الرجل لهذه الدرجة في هذا المعنى مهما بلغن من درجات في العقل والعلم والمال والقوة حيث يبدو في ذلك إعجاز التقرير القرآني. هذا مع التنبيه على أنه ليس في أسلوب الآية فضلا عن فحواها ما يمكن أن يفيد أن هذه الدرجة التي جعلت للرجل على المرأة يصح أن تكون استعلاء وتحكما وقهرا.
٦ ـ ونستطرد فنقول : إن المتبادر أن جملة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أوسع شمولا من حق الزوجة في عدم الموافقة على المراجعة إذا اعتقدت أن مطلقها لا يريد بذلك إصلاحا. وأنه مما ينطوي فيها تقرير حقها في أن يكون لها على الرجل كل ما عليها له من طاعة وأمانة وعفة وإخلاص وحسن معاملة ومودة واحترام وثقة وتكريم وبرّ وترفيه ومراعاة مزاج ورعاية مصلحة وقضاء ما لا يستطيع قضاءه من مصالح وحاجات. واعتباره إياها شريكة حياته في مختلف نواحيها