إذا صحّ تخمين مدنية هذه السابقات ، فالمناسبة في المعنى قائمة. تظهر منها حكمة وضعهما بعدها. والطابع المكي قوي البروز عليهما. وفي سورة لقمان التي مرّ تفسيرها آيتان مشابهتان لهما.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦)) [٦٣ ـ ٦٦].
في هذه الآيات سؤالان ينطويان على معنى التقرير ولفت النظر عما إذا كان الرائي لا يرى آثار قدرة الله تعالى في كونه ويقنع بقدرته على تحقيق ما يعد :
١ ـ فالله هو الذي ينزل من السماء الماء فلا تلبث الأرض أن تصبح مخضرّة بعد الاربداد والجفاف.
٢ ـ والله سخّر للناس ما في الأرض ليتمتعوا به وسخّر لهم البحر لتجري فيه الفلك أيضا. وفي ذلك ما فيه من منافع لهم.
٣ ـ وهو الذي يمسك السماء بتدبيره وقدرته وما أودعه فيها من ناموس فلا تقع على الأرض. وفي ذلك من آثار رأفته بالناس وحكمته ورحمته ما هو ظاهر.
٤ ـ وهو الذي أحيا الناس من العدم وهو الذي يميتهم. وهو الذي يحييهم ثانية. فإن له ما في السموات وما في الأرض. وكل شيء خاضع له ، وهو غني عن كل شيء حميد لما يبدو من عباده من الإخلاص والعبودية له.
وانتهت الآيات بفقرة تنديدية بجحود الإنسان لنعم الله. وتعاميه عن آثار عظمته ، وشكّه في قدرته ومطلق تصرفه أمام ساطع الآيات وباهر البراهين.
والآيات كما هو المتبادر متصلة بسابقاتها سياقا وهدفا. والطابع المكي قوي البروز عليها. وأسلوبها متّسق مع أسلوب أمثالها الكثيرة في القرآن المكي.