الْحَقُ) [الآية ١٢٠] مع أن الحقّ جاء في كلّ سور القرآن؟
قلنا : قالوا فائدة تخصيص هذه السورة بذلك ، زيادة تشريفها وتفضيلها مع مشاركة غيرها إيّاها في ذلك ، كما في قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن / ١٨] وقوله تعالى : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) بعد قوله سبحانه (وَمَلائِكَتِهِ) [البقرة / ٩٨] وقوله تعالى : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) بعد قوله (الصَّلَواتِ) [البقرة / ٢٣٨] ووجه المشابهة بينهما ، أنه حمل قوله تعالى : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) على التشريف والتفضيل ، عند تعذّر حمله على تعليق العداوة به ، لئلّا يلزم تحصيل الحاصل ؛ وكذا في المثال الأخير تعذّر حمله على إيجاب المحافظة لما قلنا ؛ وهنا تعذر حمله على حقيقته ، وهو الجنس بأن حقيقته انحصار كل حق في هذه السورة وهو منتف ، أو حمل الحق على معهود سابق ، وهو منتف ، وحمله على بعض الحق ، يلزم منه وصف هذه السورة بوصف مشترك بينها وبين كل السور ، وأنه لا يحسن ، كما لو قال : وجاءك في هذه الحق آيات الله أو كلام الله أو كلام معجز ، فجعل مجازا عن التفضيل والتشريف.
وقيل : الإشارة بهذه إلى الدنيا لا إلى السورة ، والجمهور على القول الأول. ولا يقال إنّما خصّت هذه السورة بذلك لأن فيها الأمر بالاستقامة بقوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [الآية ١١٢] والاستقامة من أعلى المقامات عند العارفين ، لأنّا نقول الأمر بالاستقامة جاء أيضا في قوله تعالى : (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) [الشورى / ١٥] ولا يصلح هذا علّة للتخصيص ، والله أعلم.