المشيّع والحميم المودّع : صحبتك عين الله. أي رعاية الله وحفظه.
وقوله سبحانه : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) [الآية ٤٤] ، وهذه استعارة. لأن الأرض والسماء لا يصح أن تؤمرا وتخاطبا. لأن الأمر والخطاب لا يكونان إلا لمن يعقل ، ولا يتوجّهان إلا لمن يعي ويفهم. فالمراد إذن بذلك : الإخبار عن عظيم قدرة الله سبحانه ، وسرعة مضيّ أمره ، ونفاذ تدبيره. نحو قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النحل]. وهذا إخبار عن وقوع أوامره من غير معاناة ولا كلفة ، ولا لغوب ولا مشقة.
وفي هذا الكلام أيضا فائدة أخرى لطيفة. وهو أن قوله سبحانه : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ). أبلغ من قوله : يا أرض اذهبي بمائك. لأن في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة. ألا ترى أن قولك لغيرك : ابلع هذا الطعام ، أبلغ من قولك له : كل هذا الطعام ، إذا أردت منه إيصاله الى جوفه بسرعة؟ وكذلك الكلام في قوله سبحانه : (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) : لأن لفظ الإقلاع هاهنا أبلغ من لفظ الانجلاء. لأن في الإقلاع أيضا معنى الإسراع بإزالة السحاب ، كما قلنا في الابتلاع. وذلك أدلّ على نفاذ القدرة ، وطواعية الأمور ، من غير وقفة ولا لبثة ، هذا الى ما في المزاوجة بين اللفظين من البلاغة العجيبة ، والفصاحة الشريفة. إذ يقول سبحانه : يا أرض ابلعي ، ويا سماء أقلعي : ومثل هذا في القرآن أكثر من أن يشار إليه.
وقوله سبحانه : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٨). وهذه استعارة. لأن العذاب في الحقيقة لا يوصف بالغلظ ، والدقة ، لأنه الألم الذي يلحق الحي في قلبه أو جسمه. وإنما وصفه تعالى بالغلظ على طريقة كلام العرب ، لأنهم يصفون الأمر الهيّن بالضؤولة والدقة ، كما يصفون الأمر الشاق بالغلظ والشدة ، حملا لذلك على عرفهم في المراعاة للشيء الغليظ الكثيف ، وقلة الحفل بالشيء الدقيق الضئيل. ألا ترى إلى قولهم : عرض فلان دقيق ، وقدره ضئيل؟ وإلى قولهم في مقابلة ذلك : لقي فلان فلانا بكلام غليظ ، وقول ثقيل.
وقد يجوز أيضا ـ والله أعلم ـ أن يكون المراد بعذاب غليظ هاهنا الصفة