في القلوب وجلا وروعا .. والمراد أن هلاكهم لمّا كان عن الصيحة حسن أن يقال : إنها أخذتهم بمعنى ذهبت بنفوسهم ، وأتت على جمعهم.
وقوله تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٩٩) فقوله تعالى : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩٨) و (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٩٩) استعارتان. لأنه تعالى جعل فرعون في تقدمة قومه الى النار بمنزلة الفارط (١) المتقدم للوارد الى الورد ، كما كان في الدنيا متقدّمهم الى الضلالة ، وقائدهم الى الغواية ، وجعل النار بمنزلة الماء الذي يورد ، ثم قال تعالى : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩٨) لأنه ورد لا يجيز الغصة ، ولا ينقع الغلة.
وقد اختلف العلماء في [فهم] قوله تعالى : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩٨). وهل ذلك ذم لنار جهنم على الحقيقة أو المجاز ، فقال أبو علي (٢) محمد بن عبد الوهاب الجبائي : ذلك على طريق المجاز ، والمعنى بئس وارد النار. وقال أبو القاسم البلخي (٣) : بل ذلك على طريق الحقيقة.
فأمّا قوله سبحانه : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٩٩) فإنما قلنا إنه استعارة ، لأن حقيقة الرفد العطية. يقال رفده يرفده رفدا ورفدا بفتح الراء وكسرها. ولكن اللعنة لمّا جعلت بدلا من الرّفد لهم عند انتقالهم من دار الى دار ، على عادة المنتجع المسترفد او الرجل المتزوّد ، جاز أن يسمّى رفدا ، على طريق المجاز ، كما قال تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) [آل عمران] والبشارة في الأعم ، الأغلب ، إنما تكون بالخير لا بالشرّ. ولكن لما جعل إخبارهم باستحقاق
__________________
(١). الفارط : اسم فاعل من فرط بمعنى سبق وتقدم.
(٢). أبو علي محمد الجبّائي كان رأسا من رؤوس المعتزلة ، وشيخ علماء الكلام في عصره. وتنسب إليه طائفة «الجبّائية» ، والجبائي نسبة الى «جبّى» من قرى البصرة. توفي سنة ٣٠٣ ه. وذكر ابن حوقل في «المسالك والممالك» أنّ جبّى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمائر بالنخل وقصب السكر وغيرهما ؛ ومنها أبو علي الجبّائي ، الشيخ الجليل ، إمام المعتزلة ، ورئيس المتكلّمين في عصره.
(٣). أبو القاسم البلخي هو عبد الله بن أحمد الكعبي ، كان رأس طائفة من المعتزلة ، يقال لهم الكعبيّة. والكعبي نسبة الى بني كعب ؛ والبلخي نسبة الى بلخ ، إحدى مدن خراسان. توفي سنة ٣١٧ ه.