على الله سبحانه. فإذن يجب أن يكون المراد غير هذه الحقيقة. وقد قيل في معنى ذلك وجوه : أحدها بقية الله من نعمته خير لكم. وقد قيل : بقيّة الله طاعة الله ، وذلك لأنها تبقي رضاه وثوابه أبدا ما بقيت. وقيل بقيّة الله أي عفو الله عنكم ورحمته بكم بعد استحقاقكم العذاب ، كما يقول العرب المتحاربون بعضهم لبعض ، إذا استحرّ فيهم القتل ، وأعضلهم الخطب : البقية! البقية! أي نسألكم البقية علينا والمكافأة لنا. والبقية هاهنا والإبقاء بمعنى واحد.
وقوله سبحانه : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) [الآية ٨٧] وهذه استعارة. لأن الصلاة لا يصح منها الأمر على الحقيقة ، وإنما أطلق عليها ذلك ، لأنها بمنزلة الآمر بالخير ، والناهي عن الشر.
وقيل : المراد بذلك : أدينك يأمرك بهذا؟ أي في شريعتك ودينك الأمر بهذا؟ فإذا كان ذلك في عقد الدين حسن أن يضاف الأمر به الى الدين :
وفي هذه الآية أيضا مجاز آخر. وهو أنه تعالى قال : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) [الآية ٨٧] وليس يصح على ظاهر الكلام أن يؤمر شعيب بأن يترك قومه شيئا هم عليه ، وإنما المعنى ـ والله أعلم ـ أصلاتك تأمرك أن تأمرنا بترك ما يعبد آباؤنا؟ فاكتفى بذكر الأمر الأول عن ذكر الأمر الثاني ، لأنه كالمعلوم من فحوى الكلام. وهذا من غوامض أسرار القرآن.
وقوله سبحانه : (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) [الآية ٩٢]. فهذه استعارة. لأن الله سبحانه لا يجوز عليه أن يجعل ظهريّا على الحقيقة. فالمراد أنّكم جعلتم أمر الله سبحانه وراء ظهوركم. وهذا معروف في لسان العرب ، أن يقول الرجل منهم لمن أغفل قضاء حاجته ، أو ثنى عطفا على عذله وعتابه : جعلت حاجتي وراء ظهرك ، وتركت مقالي دبر أذنك. أي لم تعن بحاجتي ، ولم تصغ إلى معاتبتي.
وقوله سبحانه وتعالى : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) [الآية ٩٤]. وهذه استعارة ، لأن حقيقة الأخذ إنما يوصف بها الأجسام. والصيحة عرض من الأعراض ، لأنها بعض الأصوات ، إلا أنها أقوى للأسماع صكّا وقرعا ، وأبلغ