(ساجِدِينَ) (٤) وأصله رأيتها ساجدة؟
قلنا : لمّا وصفها بما هو من صفات من يعقل ، وهو السجود أجرى عليها حكمه ، كأنها عاقلة ، وهذا شائع في كلامهم أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه ، فيعطى حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة المقارنة ، ونظيره قوله تعالى (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا) [النمل / ١٨] وقوله تعالى في وصف السماء والأرض (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) [فصّلت].
فإن قيل : لم قال تعالى (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) [الآية ١٢] وكانوا عاقلين بالغين ، وأنبياء أيضا في قول البعض ، وكيف رضي يعقوب عليهالسلام لهم بذلك؟
قلنا : على قراءة الياء لا إشكال ، لأن يوسف عليهالسلام كان يومئذ دون البلوغ فلا يحرم عليه اللعب ، وعلى قراءة النون نقول كان لعبهم المسابقة والمناضلة ، ليعوّدوا أنفسهم الشجاعة لقتال الأعداء لا للهو ، وذلك جائز بالشرع ، ويعضد هذا قولهم كما ورد في التنزيل (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) [الآية ١٧] وإنّما سموه لعبا لأنه في صورة اللعب. ويرد على أصل السؤال أن يقال : كيف يتورّعون عن اللعب وهم قد فعلوا ما هو أعظم حرمة من اللعب ، وأشدّ ، وهو إلقاء أخيهم في الجبّ على قصد القتل.
فإن قيل : لم اعتذر إليهم يعقوب عليهالسلام بعذرين أحدهما (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [الآية ١٣] لأنه كان لا يصبر عنه ساعة واحدة ، والثاني خوفه عليه من الذئب ، فأجابوه عن أحد العذرين دون الآخر؟
قلنا : حبه إيّاه ، وإيثاره له ، وعدم صبره على مفارقته ، هو الذي كان يغيظهم ويؤلمهم ، فأضربوا عنه صفحا ، ولم يجيبوا عنه.
فإن قيل : لم قال تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) [الآية ١٥] وهو يومئذ لم يكن بالغا ، والوحي إنما يكون بعد الأربعين؟
قلنا : المراد به وحي الإلهام ، لا وحي الرسالة الذي هو مخصوص بما بعد الأربعين ؛ ونظيره قوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص / ٧] وقوله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل / ٦٨].
فإن قيل : لم قال تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ