أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [الآية ٢٢] وقال في حق موسى عليهالسلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [القصص / ١٤].
قلنا : المراد ببلوغ الأشدّ دون الأربعين سنة على اختلاف مقداره ، والمراد بالاستواء بلوغ الأربعين أو الستين ، وكان إيتاء كل واحد منهما ، الحكم والعلم ، في ذلك الزمان ، فأخبر عنه كما وقع.
فإن قيل : لم وحّد الباب في قوله تعالى (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) [الآية ٢٥] بعد جمعه في قوله (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [الآية ٢٣].
قلنا : لأن إغلاق الباب للاحتياط ، لا يتم إلّا بإغلاق أبواب الدار جميعها ، سواء أكانت كلها في جدار الدار أو لا ، وأمّا هربه منها إلى الباب ، فلا يكون إلا إلى باب واحد ، إن كانت كلها في جدار الدار ، ولأن خروجه في وقت هربه ، لا يتصور إلا من باب واحد منها ، وإن كان بعض الأبواب داخل بعض ، فإنه أول ما يقصد الباب الأدنى لقربه ، ولأن الخروج من الباب الأوسط والباب الأقصى ، موقوف على الخروج من الباب الأدنى ، فلذلك وحّد الباب.
فإن قيل : لم قال تعالى (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [الآية ٢٦] ولم يكن قوله شهادة؟
قلنا : لمّا أدى معنى الشهادة في ثبوت قول يوسف عليهالسلام ، وبطلان قولها ، سمي شهادة ، فالمراد بقوله (شَهِدَ) : أعلم ، وبيّن ، وحكم.
فإن قيل : قدّ قميصه من دبر يدلّ على أنها كاذبة ، وأنها هي التي تبعته ، وجذبت قميصه من خلفه فقدّته ، وأما قدّه من قبل ، فكيف يدل على أنها صادقة (١)؟
قلنا : يدل من وجهين : أحدهما أنه إذا طالبها وهي تدفعه عن نفسها بيدها أو برجلها ، فإنها تقد قميصه من قبل بالدفع. الثاني : أنه يسرع خلفها وهي هاربة منه ، فيعثر في مقادم قميصه فيشقه. ويرد على الوجه الثاني أنه مشترك الدلالة من جهة العثار الذي هو نتيجة الإسراع ، لأنه يحتمل أن يكون
__________________
(١). انظر الآيتين ٢٦ و ٢٧ من سورة يوسف.