إسراعا في الهرب منها ، وهي خلفه فيعثر ، فينقدّ قميصه من قبل.
فإن قيل : لم قال تعالى (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) [الآية ٣١] وإنما يقال خرجت إلى السوق ، وطرقت عليه الباب فخرج إليّ؟
قلنا : إذا كان الخروج بقهر وغلبة ، أو بجمال وزينة ، أو بآية وأمر عظيم ، فإنما يعدّى ب «على» ، ومنه قولهم خرج علينا في السفر قطاع الطريق ، وقوله تعالى (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص / ٧٩] وقوله تعالى (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) [مريم / ١١].
فإن قيل : كيف شبّهن يوسف عليهالسلام بالملك ، فقلن كما ورد في التنزيل (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٣١) وهنّ ما رأين الملائكة قط؟
قلنا : إن كن ما رأين الملائكة ، فقد سمعن وصفها. الثاني : أن الله تعالى قد ركز في الطباع حسن الملائكة ، كما ركز فيها قبح الشيطان ، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن بالملك ، وكل متناه في القبح بالشيطان.
فإن قيل : لم ورد على لسان يوسف عليهالسلام (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٧) وترك الشيء ، إنما يكون بعد ملابسته والكون فيه ، يقال ترك فلان شرب الخمر ، وأكل الربا ، ونحو ذلك إذا كان فيه ثم أقلع عنه ، ويوسف عليهالسلام لم يكن على ملّة الكفّار قطّ؟
قلنا : الترك نوعان : ترك بعد الملابسة ويسمى ترك انتقال ، وترك قبل الملابسة ويسمى ترك إعراض ، كقوله تعالى في قصة موسى عليهالسلام (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف / ١٢٧] وموسى عليهالسلام ما لابس عبادة فرعون ولا عبادة آلهته في وقت من الأوقات ، وما نحن فيه من النوع الثاني ، وسيأتي نظير هذا السؤال في سورة الأعراف في قوله تعالى (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٨٨) [الأعراف / ٨٨].
فإن قيل : لم قال تعالى (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الآية ٤٠] فسّر الأمر بالنهي ، أو بما جزء منه النهي ، وهما ضدّان؟
قلنا : فيه إضمار أمر آخر ، تقديره أمر اقتضى أن لا تعبدوا إلا إياه ، وهو