فعلهم بيوسف ما فعلوه أو لا. الثاني : أن ذلك القول كان من المؤذّن بغير أمر يوسف عليهالسلام ، كذا قاله بعض المفسرين.
الثالث : أنّ حكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية ، التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية ، كقوله تعالى لأيوب عليهالسلام (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص / ٤٤] وقول إبراهيم عليهالسلام في حق زوجه هي أختي لتسلم من يد الكافر ، وما أشبه ذلك.
فإن قيل : لم تأسّف يعقوب عليهالسلام على يوسف دون أخيه بقوله (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [الآية ٨٤] والرّزء الأحدث أشدّ على النفس وأعظم أثرا؟ قلنا : إنما يكون أشدّ إذا تساوت المصيبتان في العظم ولم يتساويا هنا ، بل فقد يوسف كان أعظم عليه وأشدّ من فقدان أخيه ؛ فإنما خصّه بالذكر ، ليدلّ على أنّ الرّزء فيه مع تقادم عهده ، ما زال غضّا طريّا.
فإن قيل : لم قال تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) [الآية ٨٤] والحزن لا يحدث بياض العين لا طبّا ولا عرفا؟
قلنا : قال ابن عباس : أي من البكاء ، لأن الحزن سبب البكاء ، فأطلق اسم السبب وأراد به المسبّب ، وكثرة البكاء ، قد تحدث بياضا في العين يغشى السواد ، وهكذا حدث ليعقوب عليهالسلام ، وقيل إذا كثرت الدموع محقت سواد العين ، وقلبته إلى بياض كدر.
فإن قيل : لم قال يعقوب عليهالسلام (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٨٧) مع أن من المؤمنين من ييأس من روح الله ، أي من فرجه وتنفيسه ، أو من رحمته على اختلاف القولين ، إمّا لشدّة مصيبته ، أو لكثرة ذنوبه ، كما جاء في الحديث في قصة الذي أمر أهله ، إذا مات أن يحرقوه ويذروا رماده في البر والبحر ، ففعلوا به ذلك ، ثم إن الله غفر له ، كما جاء مشروحا في الحديث المشهور ، وهو من الصحاح ، مع أنه يئس من رحمة الله تعالى ، وضم إلى يأسه ذنبا آخر وهو اعتقاده أنه إذا أحرق وذري رماده لا يقدر الله على إحيائه وتعذيبه ، ومع هذا كله يغفر له ، فدلّ على أنه لم يمت كافرا؟
قلنا : إنّما ييأس من روح الله الكافر لا المسلم عملا بظاهر الآية ، وكل