وقال أولا «المؤمنون» وثانيا «المتوكلون».
فإن قيل : لم قالوا لرسلهم كما ورد في التنزيل : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الآية ١٣] والرسل لم يكونوا على ملّة الكفار قطّ ؛ والعود هو الرجوع إلى ما كان فيه الإنسان؟
قلنا : العود في كلام العرب يستعمل كثيرا بمعنى الصيرورة ، يقولون : عاد فلان يكلّمني ، وعاد لفلان مال وأشباه ذلك ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩) [يس]. الثاني : أنهم خاطبوا الرسل بذلك بناء على زعمهم الفاسد واعتقادهم أن الرسل كانوا أوّلا على ملل قومهم ثم انتقلوا عنها. الثالث : أنهم خاطبوا كل رسول ومن آمن به فغلّبوا في الخطاب الجماعة على الواحد ، ونظير هذا السؤال ما سبق في سورة الأعراف من قوله تعالى : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الآية ٨٨] وفي سورة يوسف (ع) من قوله تعالى : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [الآية ٣٧].
فإن قيل : كيف طابق الجواب السؤال في قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) [الآية ٢١].
قلنا : لما كان قول الضعفاء توبيخا وتقريعا وعتابا للذين استكبروا على استتباعهم إياهم واستغوائهم ، أحالوا الذنب على الله تعالى في ضلالهم وإضلالهم ، بقولهم كما ورد في التنزيل : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام / ١٤٨] ، (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل / ٣٥] يقولون ذلك في الآخرة ، كما كانوا يقولونه في الدنيا ، كما حكى الله تعالى عن المنافقين : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) [المجادلة / ١٨]. وقيل معنى جوابهم : لو هدانا الله في الآخرة طريق النجاة من العذاب ، لهديناكم : أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة ، كما سلكنا بكم طريق الهلكة في الدنيا.
فإن قيل : كيف اتّصل وارتبط القول (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) [الآية ٢١] بما قبله؟
قلنا : اتصاله به من حيث إن عتاب الضعفاء للذين استكبروا كان جزعا مما هم فيه وقلقا من ألم العذاب ، فقال