لهم رؤساؤهم كما ورد في التنزيل (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) (٢١) يريدون أنفسهم وإياهم ، لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين عليها في الدنيا ، كأنهم قالوا للضعفاء : ما هذا الجزع والتوبيخ ، ولا فائدة فيه كما لا فائدة في الصبر ، فإن الأمر أعظم من ذلك وأعمّ.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) [الآية ٢٢] عبر عنه بلفظ الماضي ، وذلك القول من الشيطان لم يقع بعد ، وإنما هو مترقّب منتظر ، يقوله يوم القيامة؟
قلنا : يجوز وضع المضارع موضع الماضي ، ووضع الماضي موضع المضارع إذا أمن اللبس ، قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة / ١٠٢] أي ما تلت ، وقال تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة / ٩١]. قال الحطيئة الشاعر :
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه |
|
أنّ الوليد أحقّ بالغدر |
فقوله تعالى : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) نفي للّبس ، وكذا قول الحطيئة «يوم يلقى ربه» ، وقوله تعالى : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) لأن قضاء الأمر إنما يكون يوم القيامة.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [الآية ٢٧] وقد رأينا كثيرا من الظالمين هداهم الله بالإسلام وبالتوبة وصاروا من الأتقياء؟
قلنا : معناه أنه لا يهديهم ماداموا مصرّين على الكفر والظلم ، معرضين عن النظر والاستدلال. الثاني : أن المراد منه ، الظالم الذي سبق له القضاء في الأزل ، أنه يموت على الظلم ؛ فالله تعالى يثبته على الضلالة لخذلانه ، كما يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت وهو كلمة التوحيد. الثالث أن معناه : أن يضل المشركين عن طريق الجنة يوم القيامة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) [الآية ٣٠] والضلال والإضلال لم يكن غرضهم في اتّخاذ الأنداد وهي الأصنام ، وإنّما عبدوها لتقرّ بهم إلى الله تعالى ، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك ، بقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزّمر / ٣]؟
قلنا : قد شرحنا ذلك في سورة «يونس» عليهالسلام ، إذ قلنا هذه لام