المسخّر المقهور في الدنيا كالعبد والفلك ونحوهما.
والثاني : أن معناه أنها مسخّرة لله لأجلنا ومنافعنا : فإضافة التسخير إلى الله تعالى : بمعنى أنه فاعل التسخير ، وإضافة التسخير إلينا بمعنى عود نفع التسخير إلينا ؛ فصحّت الإضافتان.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [الآية ٣٤] والله تعالى لم يعطنا كل ما سألناه ، ولا بعضا من كلّ فرد ، ممّا سألناه؟
قلنا : معناه : وآتاكم بعضا من جميع ما سألتموه لا من كل فرد.
فإن قيل : لا يصح هذا المحمل لوجهين : أحدهما : أنه لا يحسن الامتنان به. الثاني : أنه لا يناسبه قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [الآية ٣٤]؟
قلنا : إذا كان البعض الذي أعطانا هو الأكثر من جميع ما سألناه ، وهو الأصلح والأنفع لنا في معاشنا ومعادنا ، بالنسبة إلى البعض الذي منعه عنا لمصلحتنا أيضا ، لا يحسن الامتنان به ويكون مناسبا لما بعده.
وجواب آخر : عن أصل السؤال : أنه يجوز أن يكون قد أعطى جميع السائلين بعضا من كل فرد ممّا سأله جميعهم ، وبهذا المقدار يصح الإخبار في الآية ، وإن لم يعط كلّ واحد من السائلين بعضا من كلّ فرد ممّا سأله ؛ وإيضاح ذلك أن يكون هذا قد أعطي شيئا ممّا سأله ذاك ، وأعطي ذاك شيئا مما سأله هذا على ما اقتضته الحكمة والمصلحة في حقّهما ؛ كما أعطي النبي (ص) الرؤية ليلة المعراج ، وهي مسؤول موسى عليهالسلام ، وما أشبه ذلك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) والإحصاء والعدّ بمعنى واحد ، كذا نقله الجوهري ؛ فيكون المعنى وإن تعدوا نعمة الله لا تعدوها ، وهو متناقض كقولك : إن تر زيدا لا تبصره ، إذ الرؤية والإبصار واحد؟
قلنا : بعض المفسّرين فسّر الإحصاء بالحصر ، فإن صح ذلك لغة اندفع السؤال ، ويؤيّد ذلك قول الزمخشري لا تحصوها : أي لا تحصروها ولا تطيقوا عدّها وبلوغ آخرها ، وعلى القول الأول فيه إضمار تقديره : وإن تريدوا عد نعمة الله لا تعدوها.