فإن قيل : لم قال تعالى : (لا تُحْصُوها) ، وهو يوهم أن نعم الله غير متناهية ، وكل نعمة ممتنّ بها علينا فهي مخلوقة ، وكل مخلوق متناه؟
قلنا : لا نسلّم أنه يوهم أنها لا تتناهى ، وذلك لأن المفهوم منه منحصر في أنّا لا نطيق عددها أو حصر عددها ، ويجوز أن يكون الشيء متناهيا في نفسه ، والإنسان لا يطيق عدده ، كرمل القفار وقطر البحار وورق الأشجار ، وما أشبه ذلك.
فإن قيل : لم قال إبراهيم عليهالسلام كما ورد في التنزيل (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥) وعبادة الأصنام كفر ، والأنبياء معصومون عن الكفر بإجماع الأمّة ، فكيف حسن منه هذا السؤال؟
قلنا : إنّما سأل هذا السؤال في حالة خوف أذهله عن ذلك العلم. لأن الأنبياء (ع) أعلم الناس بالله تعالى ، فيكونون أخوفهم منه ، فيكون معذورا بسبب ذلك. وقيل إن في حكمة الله تعالى وعلمه ، أن لا يبتلي نبيا من الأنبياء بالكفر ، بشرط أن يكون متضرّعا إلى ربه طالبا منه ذلك ؛ فأجرى على لسانه هذا السؤال لتحقيق شرط العصمة.
فإن قيل : قال تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [الآية ٣٦] فجعل الأصنام مضلة ؛ والمضلّ ضار. وقال في موضع آخر : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) [يونس / ١٨] ونظائره كثيرة ، فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا : إضافة الإضلال إليها مجاز بطريق المشابهة. ووجهه ، أنهم ، لمّا ضلوا بسببها ، فكأنها أضلّتهم ، كما يقال فتنتهم الدنيا وغرتهم : أي افتتنوا بسببها واغترّوا ، ومثله قولهم : دواء مسهّل ، وسيف قاطع ، وطعام مشبع ، وماء مرو ، وما أشبه ذلك. ومعناه : حصول هذه الآثار بسبب هذه الأشياء ، وفاعل الآثار هو الله تعالى.
فإن قيل : لم قال تعالى : (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) [الآية ٣٧] ولم يقل أفئدة الناس ، وقوله قلوب الناس أظهر استعمالا من قوله قلوبا من الناس؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، لو قال إبراهيم عليهالسلام في دعائه «أفئدة الناس» ، لحجّت جميع الملل وازدحم عليه الناس ، حتى لم