(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) أي : لا يغشى وجوههم غبرة فيها سواد ، أي : لا يرهقهم ما يرهق أهل النار إذكارا بما ينقذهم منه برحمته. والفعل «رهق يرهق» ، قد جاء في أربع آيات أخرى بهذا المعنى ، ومنها :
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٤١) [عبس].
أقول : وليس لنا في العربية المعاصرة إلا الفعل المزيد «أرهق» ، بمعنى «عذّب» و «آذى» و «حمّله ما لا يطيق».
على أن الفعل المزيد قد جاء في ثلاث آيات منها :
(وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) (٧٣) [الكهف].
كما ورد «الرّهق» في آيتين من سورة الجن منهما :
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦)) [الجن].
أي : زادوهم إثما وغيّا.
ولا بد أن نشير إلى الفعل «كان» الذي يعني «وجد» فهو مكتف بمرفوعه.
٦ ـ وقال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) [الآية ٢٨].
قوله تعالى : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي : ففرّقنا بينهم وقطعنا أقرانهم ، والوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، أو فباعدنا بينهم بعد الجمع بينهم في الموقف (١).
وقال الفرّاء : هي ليست من «زلت» بالضم ، وإنما هي من «زلت» بالكسر وزلت الشيء فأنا أزيله إذا فرّقت ذا من ذا ، وأبنت ذا من ذا ، وقال فزيّلنا لكثرة الفعل ، ولو قلّ لقلت : زل ذا من ذا.
وقرأ بعضهم : (فزايلنا) وهو مثل قولك : لا تصعّر ولا تصاعر.
وقال تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) [الفتح / ٢٥].
يقول : لو تميّزوا.
أقول : وهذه بعض الذخائر اللغوية التي حفظها القرآن ، ولو لا ذلك لعفا الأثر وضاعت فرائد.
٧ ـ وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ
__________________
(١). «الكشاف» : ٢ / ٣٤٣.