وقال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام / ٣٨].
أي : ما تركنا ، وقيل : معناه ما قصرنا ، وقوله تعالى : (مِنْ شَيْءٍ) أي : مهما كان قليلا بدلالة التنكير.
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام / ١٥٩].
هذا خطاب للنبيّ (ص) وإعلام له أنه ليس منهم في شيء ، وأنه على المباعدة التامة ، من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة.
وليس خافيا دلالة «الشيء» على القلة في هذه الآية.
وقال تعالى : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) [هود / ٥٧].
أي : ولا تضرّونه بتولّيكم شيئا من ضرر مّا ، لأنه لا يجوز عليه المضار والمنافع ، وإنما تضرّون أنفسكم.
وقال تعالى : (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف / ٣٨].
أي : ما صحّ لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله أيّ شيء كان من ملك ، أو جنّيّ ، أو إنسيّ ، فضلا عن أن نشرك به صنما لا يسمع ولا يبصر. وقد بقي من معنى «شيء» في إفادة القلة والصغر الكثير في نثر الأدباء وشعرهم طوال العصور إلى عصرنا هذا ، وقد نجد من ذلك شيئا في اللهجات الدارجة.
وقد يتضح هذا المعنى من القلة أن كلمة «شيء» تأتي كثيرا بعد النفي لتؤكد النفي وهي منكّرة. يقال : لا أعرف شيئا ولا أملك من شيء ، وما يغنيني عن ذلك من شيء ، والله أعلم بما أراد.
٨ ـ وقال تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [الآية ٦١].
(وَما يَعْزُبُ) (قرئ بالضمّ والكسر ، أي : وما يبعد وما يغيب.
وفي الحديث : أنهم كانوا في سفر مع النبي (ص) فسمع مناديا ، فقال : انظروه تجدوه معزبا أو مكلئا.
وهو الذي عزب في إبله أي : غاب.
والعازب من الكلأ : البعيد المطلب ، والمعزب : طالب الكلأ البعيد.
والعزيب المال العازب عن الحيّ.
أقول : أراد ب «المال» الإبل وسائر الماشية.