ومن المفيد أن أشير أن «العزيب» بهذا المعنى ما زالت معروفة لدى الرعاة في عصرنا.
٩ ـ وقال تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٦٦).
في هذه الآية وردت (إن) النافية مرتين ، وكنا قد بسطنا القول فيها.
وقوله تعالى : (يَخْرُصُونَ) (٦٦) ، أي : يحزرون ويقدّرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا. ومن المفيد أن نبسط القول في الفعل «خرص» ، الذي كاد أن يطوى خبره في العربية المعاصرة ، لو لا ما نسمع قليلا من استعمالهم «تخرّص» بمعنى ابتدع الكذب والأوهام ، وهي مثل ذلك في فصيح العربية كما في قوله تعالى :
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) [الذاريات].
قال الزجاج : هم الكذّابون. وتخرّص فلان على الباطل واخترصه ، أي افتعله.
والفعل (يخرصون) في الآية بمعنى الحزر ، ولأنه من الذين يتّبعون الظن فهو أقرب إلى الوهم والباطل.
ولنعد إلى «الخرص» أيضا فنقول :
وأصل الخرص : التظنّي فيما لا تستيقنه ، ومنه خرص النخل والكرم ، إذا حزرت التّمر لأنّ الحزر إنّما هو تقدير بظنّ لا إحاطة ، والاسم الخرص ، بالكسر ، ومن هنا قيل للكذب خرص ، لما يدخله من الظنون الكاذبة.
وقد خرصت النخل والكرم أخرصه خرصا ، إذا حزرت ما عليها من الرطب تمرا ، ومن العنب زبيبا.
وفي الحديث عن النبي (ص) أنه أمر بالخرص في النخل والكرم خاصة دون الزرع القائم ، وذلك لأن ثمارها ظاهرة.
أقول : وما زال «الخرص» معروفا لتقدير ما على النخل من تمر لدى أهل البساتين في جنوبي العراق.
والذي نلاحظه أن مجموع ما يتصل بهذه اللفظة هو من العامي الدارج تقريبا ، ولا نعرفه في الفصيحة المعاصرة.
١٠ ـ وقال تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [الآية ٧٨].
أقول : والمراد بقوله تعالى : (لِتَلْفِتَنا) لتصرفنا.
وأكثر من «لفت» استعمالا «التفت» وتلفّت المزيدان.