وقوله تعالى : (نَسْلُكُهُ) من سلكت الخيط في الإبرة ، وأسلكته إذا أدخلته فيها ، ونظمته.
وقرئ : نسلكه ، للذكر ، أي : مثل ذلك السلك ، ونحو : نسلك الذكر في «قلوب المجرمين» على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذّبا مستهزئا به غير مقبول.
أقول : على أننا نعرف السلك في عصرنا لضرب من الخيط المعدني ، إلا أننا لا نعرف الفعل «سلك» المتعدّي بمعنى أدخل السلك «الخيط» في الإبرة ، فالسلك في عصرنا غير السلك أي الخيط.
فأما الفعل «سلك» في عصرنا فهو متعد وقاصر ، فتقول من الأوّل سلكت السبيل المستقيم ، ومن الثاني سلك الرجل سلوكا مقبولا.
٤ ـ وقال تعالى : (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [الآية ١٥].
وقوله تعالى : (سُكِّرَتْ) أي : حيّرت أو حبست من الإبصار ، من السّكر أو السّكر.
وقرئ بالتخفيف «سكرت» بالتخفيف ، أي حبست كما يحبس النهر من الجري ، وقرئ : «سكرت» من السّكر ، أي حارت كما يحار السكران.
والذي قرأ بالتخفيف هو الحسن وفسرها : سحرت.
وقال أبو عمرو بن العلاء : معناها غطّيت وغشّيت ، وقيل : معناها سدّت بالسحر.
وقال أبو عمرو بن العلاء : سكّرت أبصارنا ، مأخوذ من سكر الشراب ، كأنّ العين لحقها ما يلحق شارب المسكر إذا سكر.
وقال أبو عبيدة : سكّرت أبصار القوم إذا دير بهم وغشيهم كالسمادير فلم يبصروا ، وقال الفرّاء : معناه حبست ومنعت من النظر.
أقول : وقولهم : حبست من الإبصار من السّكر كما يحبس النهر من الجري ، هو المعنى الكثير في هذه المادة ، وما زال يقام لحبس مجرى صغير أو كبير يدعى «سكرا» في لهجة الفلاحين في جنوبي العراق.
وقوله طائفة من العرب في عصرنا بلهجتهم الدارجة «سكّر الباب» أي سدّه وأغلقه.