فإن قيل : لم قال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [الآية ٥٨] ولم يقل فبذينك ، والمشار إليه اثنان : الفضل والرحمة.
قلنا : قد سبق مثل هذا السؤال وجوابه في سورة البقرة في قوله تعالى (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة / ٦٨].
فإن قيل : قوله تعالى : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الآية ٦٠] تهديد ، لأن فيه محذوفا تقديره : وما ظنهم أن الله فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم ، فكيف يناسبه قوله تعالى بعده : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ).
قلنا : هو مناسب ، لأن معناه أن الله لذو فضل على الناس ، حيث أنعم عليهم بالعقل ، والوحي ، والهداية ، وتأخّر العذاب ، وفتح باب التوبة ؛ فكيف يفترون على الله الكذب مع توافر نعمه عليهم؟
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) [الآية ٦١] ، فأفرد ، ثم قال في الآية نفسها (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) فجمع ، والخطاب للنبي (ص)؟
قلنا : قال ابن الأنباري : إنما جمع في الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع النبي (ص) في الفعلين الأوّلين. وقال غيره : المراد بالفعل الثالث أيضا النبي (ص) وحده ، وإنما جمع تفخيما له وتعظيما كما في قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [البقرة / ٧٥] على قول ابن عباس رضي الله عنهما ، وكما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) [المؤمنون / ٥١]. والمراد به النبي (ص) ، كذا قاله ابن عباس والحسن وغيرهما ، واختاره ابن قتيبة والزجّاج.
فإن قيل : لم قدّم الأرض على السماء في قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [الآية ٦١] وقدّم السماء على الأرض في قوله تعالى في سورة سبأ : (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ / ٣]؟
قلنا : حق السماء أن تقدم على الأرض مطلقا لأنها أشرف ، لكنه لما ذكر هنا في صدر الآية شهادته على شؤون أهل الأرض وأقوالهم وأعمالهم ، ثم أردفه بقوله سبحانه :