(وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) [الآية ٦١] ناسب ذلك تقديم الأرض على السماء. الثاني أن العطف بالواو نظير التثنية وحكمه حكمها ، فلا يعطى رتبة كالتثنية.
فإن قيل : لم قال تعالى هنا : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [الآية ٦٥] وقال في موضع آخر (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون / ٨]؟
قلنا : أثبت الاشتراك في نفس العزة التي هي في حق الله تعالى القدرة والغلبة ، وفي حق الرسول (ص) علوّ كلمته وإظهار دينه ، وفي حقّ المؤمنين نصرهم على أعدائهم ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [الآية ٦٥] أراد به العزة الكاملة التي يندرج فيها عزة الإلهية ، والخلق ، والإماتة ، والإحياء والبقاء الدائم ، وما أشبه ذلك فلا تنافي.
فإن قيل : إذا كانت السموات والأرض ، وما فيهما من المخلوقات ، وما وراءهما كل ذلك لله تعالى ملكا وخلقا ، فما فائدة التخصيص في قوله تعالى في الآية التالية : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)؟
قلنا : إنما خص العقلاء المميّزين بالذكر ، وهم الملائكة والثقلان ، ليعلم أن هؤلاء إذا كانوا عبيدا له ، وهو ربّهم ، ولا يصلح أحد منهم للربوبية ، ولا للشركة معه ، فما وراءهم ممّا لا يعقل كالأصنام والكواكب ونحوهما ، أحقّ أن لا تكون له ندّا وشريكا.
فإن قيل : لم ورد قوله تعالى على لسان موسى (ع) (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) [الآية ٧٧] على طريق الاستفهام ، وهم إنّما قالوا ذلك على طريق الإخبار ، أو التحقيق المؤكّد ، بأن واللام ، لا على طريق الاستفهام ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) (٧٦)؟
قلنا : فيه إضمار تقديره. أتقولون للحق لمّا جاءكم إن هذا لسحر مبين. ثم قال (أَسِحْرٌ هذا) إنكارا لما قالوه ، فالاستفهام من قول موسى (ع) لا مفعول لقولهم.
فإن قيل : لم نوّع الخطاب في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ