وقال تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) [التوبة / ٦٤]. الثاني أن الخطاب للنبي (ص) والمراد غيره ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب / ١] ويعضده قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤) [النساء] ويعضد هذا الوجه قوله تعالى بعده : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) [الآية ١٠٤]. الثالث : أن تكون «إن» بمعنى ما ، تقديره : فما كنت في شكّ مما أنزلناه إليك فاسأل. المعنى لسنا نأمرك أن تسأل أحبار اليهود والنصارى عن صدق كتابك ، لأنك في شكّ منه ، بل لتزداد بصيرة ويقينا وطمأنينة. الرابع : أن الخطاب للنبي (ص) ، مع انتفاء الشك منه قطعا ، أو المراد به إلزام الحجة على الشاكّين الكافرين ، كما يقول لعيسى (ع) (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة / ١١٦] وهو عالم بانتفاء هذا القول منه ، لإلزام الحجّة على النصارى.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [الآية ٩٩] ما الحكمة في ذكر (جَمِيعاً) بعد قوله سبحانه (كُلُّهُمْ) وهو يفيد الشمول والإحاطة؟
قلنا : «كلّ» يفيد الشمول والإحاطة ، ولا يدل على وجود الإيمان منهم بصفة الاجتماع ، و «جميعا» يدل على وجوده منهم في حالة واحدة ، كما تقول جاءني القوم جميعا : أي مجتمعين ، ونظيره قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) [الحجر].
فإن قيل : قوله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٠١] كيف يصح هذا الأمر ، مع أنّا لا نعلم جميع ما فيهما ولا نراه؟
قلنا : هو عامّ أريد به ما ندركه بالبصر ممّا فيهما ، كالشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والمعادن والحيوانات والنبات ، ونحو ذلك ممّا يدل على وجود الصانع وتوحيده وعظيم قدرته ، فيستدلّ به على ما وراءه.
فإن قيل في قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) [الآية ١٠٧] ما الحكمة في ذكر المسّ في الضر ، والإرادة في الخير؟