شرطا والإبلاغ جزاء ، والإبلاغ كان سابقا على التولّي.
قلنا : ليس الإبلاغ جزاء التولّي ، بل جزاؤه محذوف تقديره : فإن تولّوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ أو تقصير فيه ، ودلّ على الجزاء المحذوف قوله سبحانه : (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ). الثاني : قال مقاتل تقديره : فإن تولّوا فقل لهم قد أبلغتكم.
فإن قيل : ما الحكمة من تكرار التنجية في قوله تعالى (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٨)؟
قلنا : أراد بالتنجية الأولى تنجيتهم من عذاب الدنيا الذي نزل بقوم هود ، وهو سموم أرسلها الله تعالى عليهم فقطّعتهم عضوا عضوا ، وأراد بالتنجية الثانية تنجيتهم من عذاب الآخرة الذي استحقّه قوم هود بالكفر ، ولا عذاب أغلظ منه ولا أشدّ.
فإن قيل : (بُعْداً) [الآية ٤٤] معناه عند العرب الدعاء عليهم بالهلاك بعد هلاكهم.
قلنا : معناه الدلالة على أنهم مستأهلون له وحقيقون به ، ونقيضه قول الشاعر :
إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
أراد بالدعاء لهم بنفي الهلاك بعد هلاكهم الإعلام بأنهم لم يكونوا مستأهلين له ولا حقيقين به.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [الآية ٨٤] نهي عن النقص فيهما ، والنهي عن النقص أمر بالإيفاء معنى ، فما الحكمة في قوله تعالى في الآية التالية : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ).
قلنا : صرّح أوّلا بنهيهم عن النقص الذي كانوا يفعلونه لزيادة المبالغة في تقبيحه وتغييرهم إيّاه ، ثم صرح بالأمر بالإيفاء بالعدل الذي هو حسن عقلا ، لزيادة الترغيب فيه والحثّ عليه.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٨٥) والعثوّ الفساد ، فيصير المعنى : ولا تفسدوا في الأرض مفسدين؟
قلنا : قد سبق هذا السؤال وجوابه في سورة البقرة. وجواب آخر معناه : ولا تعثوا في الأرض بالكفر ، وأنتم مفسدون بنقص المكيال والميزان.