والنبوّة ، وفينا من هو أحقّ بذلك منه؟ ثم أضربوا عن الاستنكار وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذابا أشرا ، فقالوا : (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) والأشر : المرح والنشاط ، أو البطر والتكبّر ، وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام ، ومنه قول الشاعر :
أشرتم بلبس الخزّ لمّا لبستم |
|
ومن قبل لا تدرون من فتح القرى |
قرأ الجمهور «أشر» كفرح. وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الرّاء على أنه أفعل تفضيل. ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة. ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) والمراد بقوله : «غدا» وقت نزول العذاب بهم في الدنيا ، أو في يوم القيامة جريا على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد ، كما في قولهم : إن مع اليوم غدا ، وكما في قول الحطيئة :
للموت فيها سهام غير مخطئة |
|
من لم يكن ميّتا في اليوم مات غدا |
ومنه قول الطّرمّاح :
ألا علّلاني قبل نوح النّوائح |
|
وقبل اضطراب النّفس بين الجوانح |
وقبل غد يا لهف نفسي على غد |
|
إذا راح أصحابي ولست برائح |
قرأ الجمهور : «سيعلمون» بالتحتية ، إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة بالفوقية على أنه خطاب من صالح لقومه ، وجملة : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) مستأنفة لبيان ما تقدّم إجماله من الوعيد ، أي : إنّا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه (فِتْنَةً لَهُمْ) أي : ابتلاء وامتحانا ، وانتصاب فتنة على العلّة (فَارْتَقِبْهُمْ) أي : انتظر ما يصنعون (وَاصْطَبِرْ) على ما يصيبك من الأذى منهم (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي : بين ثمود وبين الناقة ، لها يوم ولهم يوم ، كما في قوله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١) وقال : (نَبِّئْهُمْ) بضمير العقلاء تغليبا (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) الشّرب : بكسر الشين : الحظ من الماء. ومعنى محتضر : أنه يحضره من هو له ، فالناقة تحضره يوما وهم يحضرونه يوما. قال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم نوبتهم ، فيشربون ، ويحضرون يوم نوبتها فيحتلبون. قرأ الجمهور : «قسمة» بكسر القاف بمعنى مقسوم ، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بفتحها (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) أي : نادى ثمود صاحبهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة يحضّونه على عقرها (فَتَعاطى فَعَقَرَ) أي : تناول الناقة بالعقر فعقرها ، أو اجترأ على تعاطي أسباب العقر فعقر. قال محمد بن إسحاق : كمن لها في أصل شجرة على طريقها ، فرماها بسهم فانتظم به ساقها ، ثم شدّ عليها بالسيف فكسر عرقوبها ثم نحرها ، والتعاطي : تناول الشيء بتكلّف (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) قد تقدّم
__________________
(١). الشعراء : ١٥٥.