تفسيره في هذه السورة. ثم بيّن ما أجمله من العذاب فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) قال عطاء : يريد صيحة جبريل ، وقد مضى بيان هذا في سورة هود وفي الأعراف (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) قرأ الجمهور بكسر الظاء ، والهشيم : حطام الشجر ويابسه ، والمحتظر : صاحب الحظيرة ، وهو الّذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها عن برد الرّيح ، يقال : احتظر على غنمه ؛ إذا جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض. قال في الصحاح : والمحتظر : الّذي يعمل الحظيرة. وقرأ الحسن وقتادة وأبو العالية بفتح الظاء ، أي : كهشيم الحظيرة ، فمن قرأ بالكسر أراد الفاعل للاحتظار ، ومن قرأ بالفتح أراد الحظيرة ، وهي فعلية بمعنى مفعولة ، ومعنى الآية أنهم صاروا كالشجر إذا يبس في الحظيرة وداسته الغنم بعد سقوطه ، ومنه قول الشاعر :
أثرن عجاجة كدخان نار |
|
تشبّ بغرقد بال هشيم |
وقال قتادة : هو العظام النّخرة المحترقة. وقال سعيد بن جبير : هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح. وقال سفيان الثوري : هو ما يتناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصي. قال ابن زيد : العرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما ومنه قول الشاعر :
ترى جيف المطيّ بجانبيه |
|
كأنّ عظامها خشب الهشيم |
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد تقدّم تفسير هذا في هذه السورة. ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط بأنهم كذبوا رسل الله كما كذبهم غيرهم فقال : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) وقد تقدّم تفسير النذر قريبا. ثم بيّن سبحانه ما عذّبهم به فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي : ريحا ترميهم بالحصباء ، وهي الحصى. قال أبو عبيدة والنّضر بن شميل : الحاصب : الحجارة في الريح. قال في الصحاح : الحاصب : الريح الشديدة التي تثير الحصباء ، ومنه قول الفرزدق :
مستقبلين شمال الشّام يضربها |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
(إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) يعني لوطا ومن تبعه ، والسحر : آخر الليل ، وقيل : هو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أوّل النهار ، وانصرف سحر لأنه نكرة لم يقصد به سحر ليلة معينة ولو قصد معينا لامتنع. كذا قال الزجاج والأخفش وغير هما ، وانتصاب (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) على العلّة ، أو على المصدرية ، أي : إنعاما منا على لوط ومن تبعه (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أي : مثل ذلك الجزاء نجزي من شكر نعمتنا ولم يكفرها (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا) أي : أنذر لوط قومه بطشة الله بهم ، وهي عذابه الشديد وعقوبته البالغة (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي : شكّوا في الإنذار ولم يصدّقوه ، وهو تفاعل من المرية ، وهي الشك (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي : أرادوا منه تمكينهم ممّن أتاه من الملائكة ليفجروا بهم كما هو دأبهم ، يقال : راودته عن كذا مراودة وروادا ، أي : أردته ، وراد الكلام يروده رودا : أي طلبه ، وقد تقدّم تفسير المراودة مستوفى في سورة هود (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) أي : صيرنا أعينهم ممسوحة لا يرى لها شقّ ، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب. وقيل : أذهب الله نور أبصارهم مع بقاء الأعين على صورتها. قال