وهو أوّل ما ينبت به. قال ابن كيسان : يبدو أولا ورقا ، وهو العصف ، ثم يبدو له ساق ، ثم يحدث الله فيه أكماما ، ثم يحدث في الأكمام الحبّ. قال الفراء : والعرب تقول خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك ، وكذا قال الصحاح. وقال الحسن : العصف : التبن ، وقال مجاهد : هو ورق الشجر والزرع. وقيل : هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رأسه ويبس ، ومنه قوله : (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (١) ، وقيل : هو الزرع الكثير ، يقال : قد أعصف الزرع ، ومكان معصف ، أي : كثير الزرع ، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
إذا جمادى منعت قطرها |
|
زان جنابي عطن معصّف |
والريحان : الورق في قول الأكثر. وقال الحسن وقتادة والضحاك وابن زيد : إنه الريحان الّذي يشم. وقال سعيد بن جبير : هو ما قام على ساق. وقال الكلبي : إن العصف : هو الورق الّذي لا يؤكل ، والريحان : هو الحب المأكول. وقال الفراء أيضا : العصف : المأكول من الزرع ، والريحان : ما لا يؤكل ، وقيل : الريحان كل بقلة طيبة الريح. قال ابن الأعرابي : يقال شيء ريحاني وروحاني. وقال في الصحاح : الريحان نبت معروف ، والريحان : الرزق ، تقول : خرجت أبتغي ريحان الله. قال النّمر بن تولب :
سلام الإله وريحانه |
|
ورحمته وسماء درر |
وقيل : العصف : رزق البهائم ، والريحان : رزق الناس. قرأ الجمهور : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) برفع الثلاثة عطفا على فاكهة. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة والمغيرة بنصبهما عطفا على الأرض ، أو على إضمار فعل ، أي : وخلق الحبّ ذا العصف والريحان. وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالجرّ عطفا على العصف. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الخطاب للجنّ والإنس ؛ لأن لفظ الأنام يعمّهما وغير هما ، ثم خصّص بهذا الخطاب من يعقل. وبهذا قال الجمهور من المفسرين ، ويدلّ عليه قوله فيما سيأتي : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) ويدلّ على هذا ما قدّمنا في فاتحة هذه السورة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأها على الجنّ والإنس ، وقيل : الخطاب للإنس ، وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية كما قدّمنا في قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (٢) والآلاء : النعم. قال القرطبي : وهو قول جميع المفسرين ، واحدها إلى مثل معى وعصا. وقال ابن زيد : إنها القدرة ، أي : فبأيّ قدرة ربكما تكذّبان ، وبه قال الكلبي. وكرّر سبحانه هذه الآية في هذه السورة تقريرا للنعمة وتأكيدا للتذكير بها على عادة العرب في الاتساع. قال القتبي : إن الله عدّد في هذه السورة نعماءه ، وذكّر خلقه آلاءه ، ثم أتبع كلّ خلّة وضعها بهذه الآية ، وجعلها فاصلة بين كلّ نعمتين لينبههم على النعم ويقرّرهم بها كما تقول لمن تتابع له إحسانك ، وهو يكفره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلا فحملتك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرير حسن في مثل هذا ، ومنه قول الشاعر :
لا تقتلي رجلا إن كنت مسلمة |
|
إيّاك من دمه إيّاك إيّاك |
قال الحسين بن الفضل : التكرير طرد للغفلة ، وتأكيد للحجة. (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ
__________________
(١). الفيل : ٥.
(٢). ق : ٢٤.