(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن عبد العزيز بن أبي روّاد أن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ظهر فيهم المزاح والضحك ، فنزلت هذه الآية : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا). وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال : يعنى أنه يلين القلوب بعد قسوتها. وأخرج ابن جرير عن البراء بن عازب : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «مؤمنو أمتي شهداء ، ثم تلا النبي صلىاللهعليهوسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)». وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال : كل مؤمن صديق وشهيد. وأخرج الحاكم وصحّحه عن ابن مسعود قال : «إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ، ثم تلا هذه الآية» وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) قال : هذه مفصولة : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ). وأخرج ابن حبان عن عمرو بن مرة الجهني : قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته ، فممن أنا؟ قال : من الصّدّيقين والشهداء».
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤))
قوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني وما وقع منهم من الكفر والتكذيب ، وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وتأثيرها ، بيّن لهم حقارتها ، وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة ، واللعب : هو الباطل ، واللهو : كل شيء يتلهى به ثم يذهب. قال قتادة : «لعب ولهو» : أكل وشرب. قال مجاهد : كلّ لعب لهو ، وقيل : اللعب : ما رغّب في الدنيا ، واللهو : ما ألهى عن الآخرة وشغل عنها ، وقيل : اللعب : الاقتناء ، واللهو : النساء ، وقد تقدّم تحقيق هذا في سورة الأنعام ، والزينة : التزيّن بمتاع الدنيا من دون عمل للآخرة (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) قرأ الجمهور بتنوين «تفاخر» والظرف صفة له ، وقرأ السلمي بالإضافة ، أي : يفتخر به بعضكم على بعض ، وقيل : يتفاخرون بالخلقة والقوّة ، وقيل : بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أي : يتكاثرون بأموالهم