هو رزق الله ، وقيل : نعم الله التي لا تحصى ، وقيل : هو الإسلام ، وقد قيل : إن «لا» في «لئلا» غير مزيدة ، وضمير «لا يقدرون» للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. والمعنى : لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبيّ والمؤمنون على شيء من فضل الله الّذي هو عبارة عما أوتوه ، والأوّل أولى. وقرأ ابن مسعود «لكيلا يعلم» وقرأ حطّان بن عبد الله : «لأن يعلم» وقرأ عكرمة : «ليعلم» وقرئ : «ليلا» بقلب الهمزة ياء ، وقرئ بفتح اللام.
وقد أخرج عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، من طرق عن ابن مسعود قال : «قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا عبد الله ، قلت : لبيك يا رسول الله ثلاث مرات ، قال : هل تدري أي عرى الإسلام أوثق؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم ؛ يا عبد الله هل تدري أيّ الناس أعلم؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا بالعمل وإن كان يزحف على استه ، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها ، فرقة وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى فقتلهم الملوك ونشرتهم بالمناشير ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام معهم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهم الذين قال الله : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) هم الذين آمنوا بي وصدّقوني (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) الذين جحدوني وكفروا بي». وأخرج النسائي ، والحكيم والترمذي في نوادر الأصول ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : «كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل ، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم : ما نجد شيئا أشدّ من شتم يشتمنا هؤلاء ، إنهم يقرءون : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٣) مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ، فادعوهم فليقرءوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا ، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل ، أو ليتركوا التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منهما ، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا ، فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب ، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولا نمرّ بكم ، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك ، فأنزل الله : (رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) وقال الآخرون ممن تعبّد من أهل الشرك
__________________
(١). المائدة : ٤٤.
(٢). المائدة : ٤٥.
(٣). المائدة : ٤٧.